قانون الياسا Yassa Law !

قانون الياسا Yassa Law ! حالنا اليوم يجعلنا نبحث في كل الحضارات السابقة والحالية لنتعلم من تجارب الأخرين ونأخذ منها الايجابي وننقح السلبيات ونعتمد بعض الاسس التي تصلح أن تكون نهجا وأن نكف عن العجرفة وإدعاء أننا نمتلك العلم كله .. ولا حاجة لنا بالاخرين !

بقلم : هادي بازغلان

قانون الياسا Yassa Law

شهد عام 1162ولادة أحد أهم أباطرة العالم والذي قدر له أن يحكم امبراطورية مترامية الاطراف من وسط الصين واسيا والهند الى حدود أوروبا ,جنكيز خان لم يكن مجرد امبراطور من اباطرة المغول بل كان المؤسس الفعلي للإمبراطورية المغولية التي وصلت الى اتساع لا يصدق فقد امتدت هذه الإمبراطورية من نهر الدانوب في رومانيا غرباً إلى بحر اليابان شرقاً، ومن المتجمد الشمالي إلى كامبوديا جنوباً؛ فبلغت مساحتها أكثر من 24 مليون كم2، أي 22% من مساحة اليابسة على سطح الأرض، وسكن هذه المساحة الشاسعة ما يفوق 100 مليون نسمة !

وكانت الفكرة الرائجة أن الامبراطورية المغولية استمرت لعقود وقرون بسبب وحشيتها وبطشها بالشعوب التي حكمتها فقط ,ولكن هذا الادعاء ضحده علماء التاريخ وأكدوا أن لا مجال لديمومة اي امبراطورية بدون قوانين وشرائع تحكمها وتنظم حياة أفرادها اجتماعيا واقتصاديا وعسكريا .وكان الفضل في استقرار الامبراطورية المغولية طيلة 600 عام هو قانون الياسق .. أو الياسا .. أو دعونا نسميه Yassa Law !

هذا القانون أسسه جنكيز خان ,والذي وجد أن الامبراطورية تتوسع وتضم اجناس واعراق وديانات مختلفة ومتنوعة ,ولا بد من قوانين تحكم علاقة الافراد فيما بينهم ,وتحكم علاقة الافراد مع الدولة .. وبناء عليه أسس جنكيز خان مجموعة شرائع وقوانين ,للاسف لم تصلنا كلها ضمن كتاب واحد ,لكن وجدت أنه من المفيد أن نلقي نظرة على بعض هذه القوانين وارتباطها بالحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في الامبراطورية المغولية ,وبعدها نطرح سؤال .. هل حققت قوانين ياسا Yassa Law الغرض المطلوب وهو الحفاظ على حقوق وكرامة وحرية المواطن في الامبراطورية المغولية !؟

أقرأ أكثر:

• الليبرالية الاسلامية ,هل تصلح نظاما للحكم !؟
• القضاء والقدر ,حتمية إلهية أم مشاركة بشرية !؟
• الزير سالم وحرب البسوس ما بين التاريخ والحاضر

نظرة جنكيز خان للديانات والدين

بداية يجب أن نفهم أن الديانات الاساسية لدى المغول في ذلك الوقت كانت الشامانية والبوذية والتنغرية والمسيحية ,ومن ثم , ومع بداية التوسعات نحو غرب اسيا وأوروبا , دخلت العديد من الديانات الاخرى للإمبراطورية المغولية وأثرت بها كثيرا كالإسلام بملله وطوائفه ,ايضا ديانة المجوسية والطاوية وغيرها الكثير .

وجد جنكيز خان المعادلة الذهبية التي تضمن لدولته البقاء وهي ( التسامح الديني ! ) .. وضم ذلك التسامح لمجموعة قوانين الياسا وجعله اساسا للدولة ,فلا يحق لأحد أن يتدخل في ديانة الاخر وإلا ( يقتل ! ) ,, وضرب جنكيز خان المثل بنفسه حيث كان حريصا ان يضم مجلسه المقرب منه شخصيات من كل الاديان البوذية والاسلامية والمسيحية والتنغيرية وغيرهم .. وبالتالي لم يكن هناك دين رسمي للامبراطورية .. ولك ان تتخيل أن المغول كانوا حريصين على منح القبائل والعشائر حريتهم الدينية والعقيدية بالكامل ضمن الامبراطورية نفسها ,لكن بالمقابل ,يجب أن يخضع الجميع ,مهما كانت عقيدته أو ملته لمجموعة قواعد الياسا Yassa Law ومن يخرج عنها ويبدي عدم الاحترام يعاقب باقصى العقوبات !

قانون الياسا Yassa Law !

كما ذكرت قانون الياسا Yassa Law كثيرة ويمكن أن تطالعوها في مواقع القوانين كموقع blogs.icrc.org أو في بعض الكتب ككتاب المؤرخ تقي الدين المقريزي ( المواغظ والاعتبار في ذكر الخطط والاثار ) وكتب المؤرخ الشهير القلقشندي .. لكن نذكر بعضا منها مما يهمنا في عصرنا الحالي .. بعض قانون الياسا Yassa Law:

– لا يحق لاحد التدخل في الحرية الدينية.
– لا يجوز انشاء مجالس للتعصب المذهبي.
– لا يجوز التفرقة على الطعام ما بين غني وفقير.
– لا يجوز تعظيم أحد بالالقاب او الصفات وكل مواطن في الامبراطورية ينادى باسمه فقط دون اي لقب يسبقه.
– لا يجوز بحسب قانون الياسا Yassa Law التبول في الانهار.
– بموجب قانون الياسا Yassa Law من يزني يقتل.
– ان سقط من مواطن شيء أثناء سيره وشاهد ذلك مواطن أخر ولم ينبهه أو يرجع له ما سقط منه ( يقتل )
– جميع النباتات والحيوانات طاهرة ومن قال بنجاسة الاشياء يعاقب وفق قانون الياسا Yassa Law.
– لا يختص أحد بأكل شيء وغيره يراه، بل يشركه معه في أكله.
– لا يأكل أحد من أحد حتى يأكل منه المناول أولا، ولو كان المناول أميراً، ومن يناوله أسيرا.

فضلا عن كل ذلك ,فقد ضمن قانون الياسا مكانة المرأة في الامبراطورية المغولية ,وذلك جزء من وعي جنكيز خان بدور المرأة التي تعتبر نصف المجتمع ,فلم يمنعها القانون مثلا من ريادة المناصب الهامة في الدولة ,ولعل المثل الابلغ في هذا السياق هو ( توراكينا خاتون ) والتي عينت امبراطورة للمغول وحكمت البلاد 4 سنوات !

المقارنات مع قانون الياسا Yassa Law

ما يهمنا من ذكر قانون الياسا Yassa Law هو مجرد مقارنات كما أسلفت في المقدمة بين ماضي حضارات نشأت واستمرت قرونا طويلة بفضل قوانين واضحة ومفصلة حكمتها ,وبين واقع نعيشه بنزعات فكرية تطرفية لا زالت تحارب الاخر وتدعوا لاقصاءه باسم الدين !

مبدأ فصل الدين عن الدولة كما عرفه انصاره العلمانيون وقالوا أنه نشأ في القرن الثامن عشر عقب الثورة الفرنسية ,لكن عندما نستعرض الحضارات السابقة نرى أن كل ذلك محض هراء ,فقد ايقن عدد لا بأس به من الحضارات السابقة التي اندثرت أو التي لا تزال حية حتى الان , أن تقديس الحرية الدينية للافراد هو مفتاح أمان واطمئنان ورفاهية واستقرار الدولة ,وإن كان جنكيز خان قد جاء بهذا القانون المثير للاهتمام بالقرن الثاني عشر الميلادي ,فإن الحضارة الاسلامية سبقته إليه بخمس قرون مع نزول الوحي وتقديس الحرية الدينية ( لا إكراه في الدين ) !

الخاتمة

لا يفهم من كلامي أن القوانين المغولية كانت وردية وجميلة في معظمها .. اطلاقا .. هناك قوانين سيئة في قانون الياسا Yassa Law ,بلا شك هذا القانون وليد عصره ونتاج زمانه ,لكن ما أردت أن اوصله لحضراتكم ,هو مجرد فكرة أن الدول لا تستقر بالقوة والبطش والتنكيل والمحسوبيات .. الدول لا تستقر إلا باستقرار وأمان أفرادها ومحبتهم لوطنهم ,وأنه يستحيل ان تنتج عدالة إلا عند جعل مواطني الدولة سواسية أمامها بالحقوق والواجبات لا بحسب الدين والعقيدة والعرق .. وبالمقابل اذا اردت البحث عن النمو ,فابحث عن السماد الحقيقي للازدهار وهو .. الحرية !