ثقافة عامة

القضاء والقدر ,حتمية إلهية أم مشاركة بشرية !؟

نحن صناع أقدارنا أم أننا مجبرون عليها !؟ لعله السؤال الذي شغل بال الفلاسفة والمفكرين منذ بدأ نشوء الفكر الانساني ,القضاء والقدر ,أحدى المصطلحات الدينية الجدلية بما يتعلق بالفكر البشري ,فكيف فهمها الفلاسفة والمفكرين وكيف تمت مقاربتها مع الأديان ,وهل نحن محكومون بالقضاء والقدر أم أننا شركاء في صناعته ؟

بقلم : هادي بازغلان


القضاء والقدر ,حتمية إلهية أم مشاركة بشرية !؟

ارادت مريم الذهاب لرؤية صديقتها في احد المقاهي وطلبت سيارة اجرة لتقلها وعندما نزلت الدرج تذكرت انها نست هاتفها المحمول في البيت فعادت كي تجلبه .. ثم عادت للسيارة وانطلقت رفقة السائق .. وبعد قليل اعترضت طريق السيارة شاحنة في احد الازقة فاضطروا لانتظارها كي تتحرك ثم تابعوا المسير .. وطلبت مريم من السائق التوقف عند محل العاب أطفال كانت قد اوصته على هدية لابن صديقتها .. نزلت مريم وتفاجئت ان البائع لم يغلف الهدية ضمن غلاف جميل مناسب فاضطرت ان تنتظره ليقوم بذلك .. ثم عادت للسيارة وتابعت المسير .. بعد قليل طلب السائق من مريم ان تسمح له بالتوقف قرب احد المحلات كي يضع ساعة زوجته المعطلة لإصلاحها وفعل ذلك وعاد وتابعا المسير !

لو أننا اعدنا خط الزمن للوراء وطالعنا بعض الاحداث وحاولنا اللعب بأحدها .. ماذا لو ان مريم لم تنسى جهازها المحمول ؟ ماذا لو أن الشاحنة لم تعترض طريقهما ؟ ماذا لو ان البائع كان قد اعد الهدية كما تريد مريم ؟ ماذا لو ان السائق لم يتوقف ليضع ساعة زوجته في المحل ؟ .. ربما لو ان أي حدث من هذه الاحداث التي تعدد ابطالها قد الغيت من خط الزمن هذا .. لما كانت السيارة التي تقلها مريم قد اصطدمت بالفتاة المراهقة سعاد التي كانت تعبر الشارع الموازي للمقهى المقصود ولم تتسبب في دهسها وموتها !

لو سقط أي مسبب من هذه المسببات لكان الزمن سمح لسعاد بان تعبر الشارع بكل امان ,لكانت السيارة قد سبقت سعاد وعبرت الشارع فعلا لكن تظافر أفعال كل هؤلاء نتج عنها ان تصل السيارة التي تقل مريم بنفس وقت عبور سعاد للشارع !

أقرأ أكثر في مجال الثقافة :

يعتقد العلماء أنهم وجدوا تشريح حرية الإرادة في أدمغتنا - أنا أصدق العلم
هل نحن محكومون بالقضاء والقدر أم أننا شركاء في صناعته ؟

 

معضلة القضاء والقدر وارتباطها بالإرادة الحرة

اذا السؤال الآن .. ما أهمية الأمر ؟ ما حصل قد حصل وهو أمر يحدث يوميا وعبر الساعة .. ما الذي يفيدنا به !!؟

في واقع الأمر نحن في حضرة المعضلة الأكثر رعبا بين المعضلات الوجودية التي حاولت البشرية الرد عليها بإجابات مقنعة ,وباءت كل محاولاتها بالفشل منذ عهد الفلاسفة الاغريق وحتى يومنا هذا .. معضلة القضاء والقدر !

لنربط الأحزمة ونحاول التركيز لأننا سنخوض في كثبان رملية متحركة من الفكر الفلسفي والديني الذي حاول أن ينبري للرد على سؤال وجودي خطير قد يكون الخط الحقيقي الفاصل ما بين معتقدي الايمان والالحاد .. ما هو القضاء والقدر !؟

في حقيقة الأمر أن هذا السؤال يتشعب منه اسئلة ومفاهيم كثيرة وكلها متعلقة بالإرادة ,والتي شكلت المادة التي بنيت عليها كبرى معضلات الفكر البشري .. هل نمتلك نحن كبشر ارادة حرة ؟ أم أننا مجبرون على أفعالنا وهي مكتوبة علينا فلا مناص من التهرب منها !؟

 

تاريخية معضلة الارادة الحرة

إن اعتقاد وجود ارادة حرة من عدمه ,شكل معضلة فكرية منذ قديم أزل ظهور الفكر الانساني الفلسفي ,فقد ربط سقراط الإرادة الحرة مع ضبط النفس، وقال إنّ انعدام ضبط النفس يعني أيضًا انعدام الإرادة الحرة، وذكر أنّ الأفراد الذين يفتقرون إلى القدرة على ضبط النفس، لا يمكنهم التمتع بالإرادة, لكن ارسطو ذهب الى اتجاه مغاير عندما قال أن الارادة الحرة تعني حقيقة أن لا قوّة يمكنها منعنا من فعل أو اختيار شيء لنحظى بالسيطرة عليه ,وهي نفس الفكرة التي انتهجها فلاسفة الاغريق من بعده حتى القرون الاولى الميلادية مع الفيلسوف ابتيكوس وسميت فكرة ارسطو فيما بعد بالإرادة التوافقية.

لكن مع ظهور الديانة المسيحية, اعتمدت الكنيسة الغربية الكاثوليكية مبدأ حرية الارادة , كما ورد في مجلدات (تعليم الكنيسة الكاثوليكية #1730) .. ( كانت الإرادة الحرة واحدة من أعظم الهدايا التي منحها الله لنا في لحظة خلقنا. لقد أراد لنا أن نتمتع بكرامة متأصلة لدرجة أنه منحنا السلطة الكاملة على قدراتنا واختياراتنا وأفعالنا ) ,لكن مارتن لوثر ( مؤسس المذهب البروتستانتي المسيحي والمنشق عن الكنيسة الغربية ) لم يرى ذلك ,وقال في كتابه الشهير ( عبودية الارادة ) ,ما يلي ( ان مفهوم حرية الإرادة ينبغي أن يفسر بحذر لعدة اسباب أولها ان الله فقط هو من عنده حرية الإرادة، لأن الله فقط يستطيع ان يفعل كل ما يريده، فنحن جميعنا لدينا اختيارات ونختار بعض الاختيارات، ولكن إرادتنا ليست حرة تماما فأنا لا استطيع ان اختار ان يكون لون بشرتي فاتحا او داكن، او ان اعيش ١٥٠ سنة او ان يكون لي جناحان وأطير فاختياراتي محدودة ).

وأسس كلام لوثر لظهور مبدأ ( الحتمية ) ,وهو منافي للتوافقية التي جاء بها ارسطو ,والحتمية شكلت المادة والتربة الخصبة للالحاد ,والذي أكد فلاسفته أن لا وجود للارادة الحرة لأن الانسان بنظرهم عبارة عن مادة ,وبالتالي يخضع لقوانين المادة وأشهرها ( المادة لا تتعالى على نفسها ) ,وهذا ما شكل جملة من المشاكل الاخلاقية التي سنتطرق لها في مقالات لاحقة تتناول المعضلة الاخرى الوجودية الفلسفية وهي معضلة الخير والشر الموازية لمعضلة القضاء والقدر.

وجهات نظر مدارس مختلفة حول حرية الإرادة والقضاء والقدر

بعض المدارس تناولت حرية الارادة والقضاء والقدر بطريقة مختلفة عما سبق ,كما قدمها الفيلسوف الانكليزي ورائد الفلسفة التجريبية جون لوك عندما قال ( الحرية الكاملة هي التحرك ضمن القوانين الطبيعية وإمكانية اتخاذ القرارات الشخصية والقرارات بشأن الملكية الخاصة دون قيود، وكما يريد الإنسان، ودون أن يطلب هذا الإنسان الحق من أحد ) ,فيما رأى الفيلسوف الكبير الالماني ايمانويل كانط وهو المنتمي للمدرسة الفلسفية الاخلاقية ,أن حرية الارادة مرتبطة بالأخلاق وقال أن فكرة الإرادة الحرة والكرامة الإنسانية كمبادئ أساسية تشكل البنية التحتية للأخلاق, كما أكد أنه يستحيل معرفة وجود ارادة حرة من عدمها اعتمادا على المبدأ النظري لانه ينفي وجودها ويدعم وجودها بنفس الوقت !

وبغض النظر .. فإن أغلب المدارس الفلسفية الالحادية كالفلسفة المادية والواقعية والاختزالية والعبثية ,أكدت أن لا وجود لحرية الارادة بالشكل المطلق أو الكامل ,فيما أن مدارس فلسفية أخرى أكدت وجود الارادة الحرة بفلسفة الثيولوجيا والميتافيزيقيا ,وبعض المدارس كالمدرسة الاخلاقية والمثالية والرواقية ذهبت مع الارادة التوافقية ,فيما ان البراغماتية أكدت حدود الارادة الحرة بما ينفع الانسان ضمن حياته ,,, وربط نيتشه الارادة الحرة بالسلطة ,فيما قال ديستوفسكي ملخصا الفكرة ( إذا لم يكن الله موجودًا، فإن كل شيء مسموح به ) ,فيما خالف جون سارتر ذلك وقال أن من يعتقد أن الإرادة الحرة هي التي توجِد الحرية وتسبقها، ويؤكد أن الحرية ملازمة للفعل الإرادي والفعل الشغفي معا … الخ

ومن الصعب والمرهق جدا تناول مبدأ حرية الارادة عند الفلاسفة باختلاف مدارسهم الفلسفية لأنك لن تقع على تطابق في التعريف والارتباط حول هذا المفهوم بين فيلسوفين حتى لو كانا ينتميان لمدرسة فلسفية واحدة ,وهذا ما يعيدنا لبداية ما قلناه في المقدمة بأن حرية الارادة من كبرى المعضلات البشرية !

القضاء والقدر والارادة الحرة والجبرية في المعسكر الالحادي الحديث

اذا بعد الاستعراض التاريخي السريع ,نعود لمحاولة فهم المسألة بوجهة نظر الحادية لنرى كيف يفكر الفلاسفة وعلماء الالحاد المعاصرين بمعضلة حرية الارادة.

الملاحظ أو المتوافق عليه في الفكر الإلحادي الحديث أنه مبني بالمطلق على مفهوم عدم وجود ارادة حرة وأن ارادة البشر عدمية وكل الافعال جبرية, وأن فكرة الإرادة الحرة وهم، وإن أحس أنه مختار لها، وأن الإنسان مجبور في صورة مختار !

ورغم ذلك فقد اختلف كبار دعاة الالحاد حول مركزية هذه الجبرية ,ومن المفيد أن تمتلك الجرأة عزيزي القارئ في فهم الافكار الالحادية لأنها تضيء لك الكثير من عظمة دينك وتجعل ايمانك عن قناعة لا توارثي .. يقول الملحد سام هاريس ( اختياراتي مهمة، وهناك طرق لاتخاذ قرارات أكثر حكمة، لكني لا أستطيع أن أختار ما أريد اختياره، وإذا ظهر أنني قادر على ذلك كالعودة مثلا للوراء لاتخاذ أحد قرارين فإنني لا أختار ما أختار أن أختاره، إنه تسلسل يفضي بنا دوما للظلام ! ) ,, ولديه عبارة شهيرة يقول بها ( في الحقيقة الإرادة الحرة أكثر من مجرد وهم أو أقل) إذ هي لا تبدو متماسكة نظريًا ! )

فيما كان شرمر أقل حدة في تناوله الموضوع وقال ( حجم تعقيدات العوامل والمحددات التي تتسبب في إحداث اختياراتنا، تقودنا إلى الشعور وكأننا نمارس أفعالنا بحرية ككائنات متسببة في أفعالها دون أن تكون مسببة، مع أننا في الحقيقة محددي الأفعال سببًا ) .. أما دانيل دينيت، فله كتاب “تطور الحرية” قدم فيه رؤيته حيال هذه القضية، وهي رؤية مخالفة لرؤية هارس المتطرفة في إلغاء مفهوم حرية الإرادة بالكلية، وهي رؤية تم التعارف عليها في المجال الفلسفي بالتوافقية، وهي خيار وسيط بين الإرادة الحرة والجبرية المحضة كما قدمناها في الاعلى.

أكذوبة الإرادة الحرة!
هل الانسان مسير ام مخير في الدين الاسلامي ؟

نشرح أمر هام كي لا يختلط عليكم الامر ..

في الفلسفة التوافقية ينشأ مفهوم الارادة الحرة بين مكونين اساسيين هما ( اتجاه الانسان نحو فعل معين بإرادته ,والمكون الاخر هو القوانين الطبيعية التي تسمح او لا تسمح بالقيام بهذا الفعل ) ,, مثلا أنا اريد أن اطير ,, لكن قوانين الفيزيولوجيا لا تسمح لي بذلك كما يقوم به الطائر مثلا ! ,, وبالتالي تبقى افعالي محدودة ضمن ما هو متاح لي فعله ضمن هذه القوانين ,, اعتقد الفكرة وضحت ..

باقي فلاسفة وعلماء الالحاد المعاصر تهربوا من الاجابة كريتشارد دوكينز الذي قال أن يميل الى عدم وجود ارادة حرة لدى الانسان لكنه لم يتعمق بالفكرة كثيرا ,زميله لورانس كرواس قدم نفس الفكرة تماما ,فيما كان رد كريستوفر هيتشنز عن السؤال غريبا عندما قال .. ليس لدي اختيار آخر !!

نظرة الاسلام للإرادة الحرة ومفهوم القضاء والقدر

نترك المعسكر الالحادي مع التذكير بأن كل هؤلاء عقول كبيرة مفكرة وذكية ,ونعود للمعسكر الاسلامي وكيف نظر للموضوع الخاص بالإرادة والقضاء والقدر ..

لنقف عند هذا الحديث الذي قيل أن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قاله :
( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد . فوالله الذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة ) رواه البخاري ومسلم .

كما نرى أن هذا الحديث حول القضاء والقدر أدخلنا في دوامة اسئلة مبنية على انعدام الارادة كما ورد في الحديث بأن الله يحدد سلفا منذ تكون الجنين مآل هذا الجنين عندما يكبر ,فيكتب له رزقه وعمله وأفعاله وأجله ,اذا لا وجود للارادة الحرة في الاحاديث المنسوبة للرسول ,لكن القرآن اجابنا بنقيض ذلك تماما ,, وهو ما يدخلنا دائما بنفس الصراع حول المرويات البشرية والتي دونت باسم السنة النبوية ,وما بين الكتاب الشرعي المنزه عن الخطأ وهو القرآن الكريم !

من هو سام هاريس ؟ عالم الأعصاب الشهير والفيلسوف وروحاني العصر الجديد - أنا أصدق العلم
يقول الملحد سام هاريس ( اختياراتي مهمة، وهناك طرق لاتخاذ قرارات أكثر حكمة، لكني لا أستطيع أن أختار ما أريد اختياره

ولنشرح الفكر الاسلامي ..

أغلب العلماء في المذاهب والممل الإسلامية يقولون بحرية الارادة لدى الإنسان, والخلاف كان في نقطة أن هذه الحرية مطلقة أم أنها مقيدة في جزء منها بإرادة الله سبحانه وتعالى .

  • فعلى سبيل المثال لا الحصر, ذهبت فرقة المعتزلة الى أن الانسان حر حرية مطلقة بأفعاله وكلها من اختياره وأنها غير مخلوقة, واستدلوا بذلك على استنتاج مهم وهو ,اذا كان الانسان مجبر على افعاله ,فلما يعاقبه الله عليها اذا كانت افعال شريرة ؟؟
  • فيما أن فرقة الجبرية نفوا ذلك ,وقالوا أن كل افعال الانسان جبرية مكتوبة عليه سلفا وأن وجوده هو لتسيير هذه الافعال ! وهو مبدأ قريب من مبدأ الحنابلة وأهل السلف بأن كل أفعال الانسان وما يقدر عليه مكتوبة عليه سلفا تحت مصطلح القضاء والقدر.
  • أما الأشاعرة (الشافعية والحنفية والمالكية) فلم يقولوا بمذهب الجبرية في القضاء والقدر , ولا الارادة الحرة المطلقة , بل قالوا بنظرية الکسب, فالله خالق لجميع الأفعال , والإنسان له حرية في أفعاله من خلال کسبه لها .

وهناك نظريات كثيرة ومفاهيم مرتبطة حول هذه النظرية ,وهناك مفاهيم اخرى لبعض الملل الاخرى في الاسلام.

وجهة النظر الشخصية حول القضاء والقدر والارادة الحرة

ودعونا الان نقدم جواب خاص بي وهو مجرد اجتهاد شخصي قد يكون مصيبا أو خاطئا ..

  • لنستعرض هذه الآيات الكريمة :
    هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا وأجلٌ مسمى عنده ثم انتم تمترون ..
    وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ..
    يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ..
    لكل اجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ..

نرى في ضوء هذه الآيات الكريمة أن الله اخبرنا ان للإنسان اجلان .. اجل مقضي محتوم واجل مسمى ! والفرق الذي يجب ان نفهمه ان الاجل المحتوم يمكن ان يتحول لاجل مسمى ويكون الانسان طرفا في صناعة اجله ومصيره وإلا لكان الله اكتفى بذكر الاجل المحتوم فقط !

الله اخبر الانسان ان بمقدوره ان يعمر اكثر من عمره ويمكن ان ينقص من عمره المكتوب ! هل يمكن ذلك !؟ طبعا والأدلة القرآنية ذكرت ان الانسان يطيل عمره بفعل البر مثلا ويرد عنه السوء بالدعاء .. الخ
ونرى بالدليل الواضح ان القضاء والقدر غير مقضي كما فهمه البشر من كلام الله بل ان الله اخبر الانسان ان كل ما في السماوات والأرض كل يوم في شأن متبدل ومتغير حسب المسار الذي يختار الانسان أن يسير به ! ونرى ان الله يقدم لنا البرهان الواضح على اننا صناع اقدارنا عندما قال ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ! ) أي ان الله يسير معنا يوما بيوم وساعة بساعة حسب افعالنا ويمحو المحتوم ويبدله ويعيد كتابة المصائر حسب افعالنا نحن !

وهناك آية كريمة تنهي كل ذلك الجدل ,, ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ) ,, فكيف يطلب منا الله أن نعمل ليرى عملنا ,وهو في نفس الوقت كتب علينا ما سنفعل ونعمل !؟ هذا يقود لدائرة عبثية مفرغة حاشا الله ان يدخلنا بها !

الإسلام والحريات الفكرية والدينية | موقع الشيخ يوسف القرضاوي
أغلب العلماء في المذاهب والممل الإسلامية يقولون بحرية الارادة لدى الإنسان, والخلاف كان في نقطة أن هذه الحرية مطلقة أم أنها مقيدة في جزء منها بإرادة الله سبحانه وتعالى

القضاء والقدر والارادة الحرة فلسفيا

لنأخذ موضوع القضاء والقدر من ناحية فلسفية بسيطة ..
لو أننا محكومون باقدار كتبت علينا ونحن في ارحام امهاتنا ,لو أن الله كتب علي اني سأكون مجرم ومشرك ,فلما يحاسبني بالنار وأنا لا خيار لي بذلك وهو أمر مفروض علي !؟

ومن ناحية أخلاقية ,فإننا بالقوانين الوضعية مسؤولون عن افعالنا ,فلو قام أحدنا بجريمة قتل أو سرقة أو اغتصاب , فهو يعاقب على ذلك لأنه أولا يتمتع بالأهلية العقلية والارادة الكاملة لفعل ذلك ,, وهذا ما يفسر بأن المجنون والمعتوه وعديم التمييز والطفل الغير مدرك , لا يعاقبون على افعالهم أو ينالون احكام مخففة لانعدام المسؤولية الجنائية المبنية على الارادة الحرة على أفعالهم ,هل يمكن لاحدنا عندما يمثل أمام القضاة في جريمة ما أن يتحجج بأن الله كتب عليه أن يرتكب هذه الجريمة وان ذلك قضاء وقدر يجب ان تقبل به لجنة القضاة في المحكمة !؟

وملاحظة سريعة ..
لو أننا تماشينا مع الفكرة الالحادية بأننا معدومي الارادة ,فلما يجتهد علماء وفلاسفة الالحاد يوميا في نشر افكار الالحاد ليعتنقها الناس ؟ الستم انتم من اطلقتكم فكرة الارادة الجبرية ؟ ,أي أن الانسان الذي يؤمن بوجود خالق ,سيبقى مؤمنا بنفس الفكرة لانه لا يستطيع تغييرها لانعدام ارادته ! ,,اليس كذلك !؟

مذهب أثر الفراشة

نعود لمريم وسيارتها والمرحومة سعاد في بداية المقال ,لنفهم قليلا عن القضاء والقدر وهل لنا دور في صناعة اقدارنا !؟ و لنطرح هذا السؤال ..

هل افعال بعضنا تؤثر على البعض الاخر حتى لو لم نكن نعرفهم أو متداخلين معهم في الحياة !؟

الله اخبرنا ان ما من ورقة تسقط الا يعلمها ! دلالة إلهية كبيرة وهائلة على أهمية أي حدث يحدث في الكون فهل من المعقول ان يكون لسقوط ورقة شجر تلك الأهمية وأن لا يكون لفعل انسان ما ضمن مجتمعه وتأثيره على غيره أهمية اكبر !؟

الفيلسوف الألماني الملحد الشهير جوتفريد فيلهيلم كان ذكيا بهذا الأمر وفهمه جيدا واطلق مذهب فلسفي يخالف معتقد القدر الحتمي وهو من أشهر المذاهب التي دخلت العلوم والفكر وأقره الجميع بشكل تقريبي ونال من الشهرة ما نال ولا يزال قيد التطوير والبحث وهو .. ( مذهب اثر الفراشة Butterfly Effect ) !

والموضوع ببساطة كما تصورها فيلهيلم ان لا يمكن تجاهل اثر هوائي تحدثه اجنحة مجموعة من الفراشات المجتمعات في مكان ما بأخر بالعالم ! وكذلك الانسان بأفعاله فكل ما يقوم به من تصرفات ستؤثر حكما على اخرين سواء كانوا ضمن نطاقه الاجتماعي او بعيدا عنه وسواء كانوا متزامنين معه ام لاحقين له.

أثر الفراشة‎
من أشهر المذاهب التي دخلت العلوم والفكر وأقره الجميع بشكل تقريبي ونال من الشهرة ما نال ولا يزال قيد التطوير والبحث وهو .. ( مذهب اثر الفراشة Butterfly Effect ) !

أهمية التطرق وفهم القضاء والقدر والارادة الحرة

حاولت جهدي أن اخرج من هذا المعترك الجدلي بشكل مختصر ,لكن .. النظريات كثيرة ومتشعبة وقد أرجئت بعضها لمقالات أخرى وحاولت قصارى جهدي أن تصلكم الفكرة ,تاريخيا ,وفكريا ,وفلسفيا ,ودينيا ,وان استعرض لكم أشهر المدارس الفكرية والفلسفية والنظرة الالحادية والدينية الايمانية, على أمل أني قد وفقت في ذلك التكثيف الفكري.

والآن .. لماذا نتناول موضوع القضاء والقدر والارادة الحرة !؟
إن للموضوع أهمية كبيرة في مجتمعاتنا التي تسودها عقلية انهزامية تنسب كل أمر لقضاء الله وقدره وتلغي وجود فعل حر للانسان وارادة أن يذهب ليفعل ويغير من واقعه ,فمن رسب في الامتحان يقول .. ( هيك الله راد .. ومن طلق زوجته .. مالها نصيب وهيك الله كاتب .. ليش هيك حالنا ؟ لانو هيك الله رايد لنا نكون .. الخ )

إن هذه النظرة أودت بنا الى المهالك ,وكرست في نفوسنا العجز والسوداوية في فهم الحياة ,وحتى في فهم الله ,لان البعض بات يلحد بسبب معضلة انعدم حرية الارادة او حتمية القضاء والقدر ,وهي ,, مع معضلة الشر ,من كبرى الاسباب التي أدت لالحاد الملايين ,فما معنى ان نحاسب على افعال مكتوبة علينا سلفا ,وما معنى ان يوجد إله يصف نفسه بالرحيم ويرضى بكل ذلك الشر !؟ ,إن فهمنا القاصر الذي نورثه لابنائنا بات عار علينا التمسك به , لا شك ان الله يعلم كل الغيب ,لكنه ترك لنا الحرية في اختيار افعالنا ,وعوضا عن الاستسلام لنظرية العجز الحتمي, من الاجدر بنا فهم كل ما سبق ذكره وأن ننهض .. لكتابة وصناعة اقدارنا !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى