حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا
السؤال البارز الان على الساحة البريطانية مع اقتراب موعد الاقتراع في الانتخابات العامة , ماذا كانت حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا ؟ ماذا حقّق المحافظون خلال 14 عاماً من توليهم زمام الأمور في الداونينغ ستريت ؟ وهل ما حققوه يشفع لهم بنيل ولاية دستورية جديدة من خمس سنوات ؟
حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا
اتسمت الأعوام الـ14 التي قضاها المحافظون في الحكم في المملكة المتحدة، باضطرابات عديدة تمثّلت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتقصير في مكافحة جائحة كوفيد والأزمة الاقتصادية والفضائح، فتركت قسما كبيراً من الشعب البريطاني فقيراً ومحبطاً, يمكن ان يكون ذلك اختصار أو تلخيص لما يسمى حصيلة حزب المحافظين خلال فترة حكمهم.
بعد خمسة رؤساء حكومات محافظين، ثلاثة منهم في العام 2022، تُظهر استطلاعات الرأي أنّ حزب العمّال سيكون الرابح الأكبر في الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها في الرابع من يوليو القادم، بحيث بات شبه مؤكد لزعيمهم كير ستارمر الذي ينتمي ليسار الوسط أنّه سيصبح رئيساً للوزراء.
من جهتهم، يعترف المحافظون بقيادة ريشي سوناك بهزيمتهم من الآن، وإن بفتور، مناشدين الناخبين عدم تقديم “غالبية ساحقة” لحزب العمّال. غير أنّ ثقة الناخبين تبدّدت إلى حدّ أنّ الحملة الانتخابية لن تغيّر شيئاً بعد أن شاهد البريطاني حصيلة حزب المحافظين خلال فترة حكمهم.
- الاقتصاد البريطاني المتخبط هل يجد طريقه عقب انتخابات 2024؟
- الانتخابات المبكرة في بريطانيا 2024 طوق النجاة لسوناك
- اقتراحات تهدف لتحسين الاقتصاد في بريطانيا قبل انتخابات 2024
حصيلة حزب المحافظين ترخي بظلالها على قرار الناخب البريطاني
مع حصيلة حزب المحافظين خلال فترة حكمهم التي كانت بمرتبة الدرجة السيئة, تبخّرت هذه الثقة لدى الناخب البريطاني منذ برنامج التقشّف في العام 2010 (في أعقاب الأزمة المالية في العام 2008) “التي أضعفت الخدمات العامة بشكل دائم”، وفقاً لتيم بايل أستاذ السياسة في جامعة كوين ماري في لندن. وأضاف بايل :
- “بعد ذلك، كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والوعد بتنفيذ هذا الخروج، للعودة بعد ذلك إلى القضايا التي يهتمّ بها الناس، مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن. لكنّهم (المحافظون) فشلوا تماماً في الوفاء بوعودهم”.
خيبة الخروج من الاتحاد الأوروبي ضمن حصيلة حزب المحافظين وأرثهم السيء
وضع الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016 (52 % صوّتوا بنعم، 48 % صوّتوا بلا) حدّاً لرئاسة ديفيد كاميرون (2010-2016) للوزراء، وكانت من كبرى مساوئ حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا.
خصوصاً أنّه أراد بقاء بريطانيا في الاتحاد، فاستقال لتخلفه تيريزا ماي (2016-2019) التي لم تتمكّن من إقناع مجلس العموم بالتصويت على هذا الطلاق المعقّد الذي تمّ التفاوض عليه مدى أشهر مع بروكسل، الأمر الذي اضطرها أيضا إلى الاستقالة.
بعد ذلك، جاء بوريس جونسون (2019-2022) وحقّق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2020، لكنّ حكمه تعثّر بسبب جائحة كوفيد (أكثر من 232 ألف حالة وفاة) التي قلّل البداية من أهميتها، ما أدى إلى بطء في التصدي لها. وأدّت فضيحة الحفلات التي أقامها في داونينغ ستريت أثناء فترة الإغلاق، وأكاذيب أدلى بها، إلى استقالته في يوليو 2022.
وفي هذا الإطار، قال بايل إنّ “عدم تحقيق نتائج، بالتوازي مع تقويض بوريس جونسون لسمعة الحزب في ما يتعلّق بالنزاهة، وتقويض ليز تراس لسمعتها عندما تعلّق الأمر بالصدقية الاقتصادية، أدّت إلى الحالة المزرية التي يجد حزب المحافظين نفسه فيها”.
ليز تراس امتداد لحصيلة حزب المحافظين السيئة في حكم بريطانيا
كانت ليز تراس (6 سبتمبر-25 أكتوبر 2022) قدّمت بعيد وصولها إلى السلطة، خطّة إنعاش تعتمد على تخفيضات ضريبية هائلة مموّلة بالديون، في سياق ارتفاع التضخّم وأزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا. غير أنّ هذه الخطة أثارت ذعرا في الأسواق. وقد أدّى ذلك إلى استقالتها بعد 44 يوماً على توليها منصبها، ليحلّ محلّها ريشي سوناك.
خلال أشهر، تعاقبت الإضرابات (الصحة، النقل، عمّال البريد، المعلّمون…) احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة.
وبعدما وصل التضخّم إلى نسبة 11%، انخفض إلى 2.3% على مستوى سنوي. غير أنّ الراتب الحقيقي، مع أخذ التضخّم في الاعتبار، بات مشابهاً لمستوى رواتب العام 2010.
انعدام المساواة من أكبر مساوئ حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا
من أكبر مساوئ حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا أنه لا يزال النمو والإنتاجية يعانيان حالة ركود، بينما وصلت الضرائب إلى أعلى مستوياتها منذ 70 عاماً. وأصبح شراء منزل “أكثر صعوبة”، بناء على اعتراف ريشي سوناك، وذلك مع ارتفاع معدل الفائدة إلى أعلى مستوياته منذ العام 2007. وما يثير القلق بموازاة شيخوخة السكان، أنّ نظام الصحة العامة المتمثل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية بات في أسوأ حالاته، اذ ينتظر الملايين الحصول على العلاج، بينهم مرضى السرطان، والسبب نقص الموظفين.
كذلك، استمرّت فجوة التفاوت في الدخل في الاتساع منذ العام 2012، ممّا يجعل المملكة المتحدة واحدا من أكثر البلدان انعداما للمساواة في أوروبا ومجموعة السبع، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية، يسود التشاؤم. وبينما يتوق البريطانيون إلى التغيير، يشكّكون في قادتهم السياسيين أكثر من أيّ وقت مضى، وفقاً لاستطلاع للرأي أُجري مؤخراً.
وأشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيبسوس إلى أنّ 37% يعتقدون أنّ الاقتصاد سيستمرّ في التدهور، بينما يعتقد 20% فقط أنّ البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.
كذلك، يرى 53% أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يعدّ نقط تحوّل حمل تأثيراً سلبياً.
هل من جانب إيجابي؟
استجاب ريشي سوناك للأزمة عبر خلق فرص عمل (تبلغ البطالة 4,4 في المئة) وخفض معدّل الجريمة، مذكرا بالنتائج الجيّدة التي حقّقها طلّاب المدارس المتوسّطة في القراءة في تصنيف بيزا الدولي، متفوّقين بفارق كبير على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. ويشير آخرون إلى زواج المثليين الذي تمّ تشريعه في العام 2014 في إنكلترا، ويذكّرون بأنّ المملكة المتحدة كانت في الطليعة من حيث إزالة الكربون وتطوير طاقة الرياح البحرية. وكلها أمور لمحو ذاكرة حصيلة حزب المحافظين بعد 14 عام من حكم بريطانيا.
غير أنّ البيئة ليست مصدر قلق في استطلاعات الرأي، اذ كانت الخدمات الصحية الوطنية وارتفاع كلفة المعيشة من الهواجس الرئيسية للمستطلعين.
من جهة أخرى، يتحدث حزب المحافظين الذي يواجه ايضا خطر حزب الإصلاح في المملكة المتحدة الذي يتزعّمه نايجل فاراج، عن الهجرة وخفض الضرائب.
لكنّ حزب العمّال الذي يدعو إلى قلب صفحة “الفوضى”، سيرث “وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً جدّاً”، وفقاً للخبير السياسي أناند مينون.
المصدر: