سوناك يريد خفض الضرائب التي وصلت لأعلى حد منذ 70 عاما
ريشي سوناك يريد خفض الضرائب التي وصلت بعهده لأعلى حد ومستوى في المملكة المتحدة منذ 70 عاما ! وسبق لسوناك أن أخل بتعهدات حزب المحافظين الذين وعدوا الشعب البريطاني بعدم زيادة الضرائب لكن رئيس الوزراء نكث بهذا التعهد ,بل أنه رفع ايضا التأمين الوطني national insurance ,لكن هل هناك ما يشفع لسوناك بنكث العهد ؟ وهل هو صادق بخفض الضرائب ؟
سوناك يريد خفض الضرائب في بريطانيا
أعرب السيد ريشي سوناك عن نواياه الجادة تجاه مسألة الضرائب في المملكة المتحدة ,سوناك يريد خفض الضرائب التي وصلت بعهده الى أعلى مستوى تشهده البلاد خلال 70 عام كاملة. وبكل تأكيد لا يريد أي رئيس وزراء أن يقترن اسمه وعهده بالأمور السلبية تجاه الشعب ومطالبه.
من الواضح أن سوناك يريد خفض الضرائب لكن هذا الخيار قد لا يكون متاحا بسهولة كما يتصور البعض, وكي نفهم الموضوع بشكل أفضل يجب أن نعود للوراء قليلا.
الوضع الاقتصادي في بريطانيا بعد جائحة كوفيد
لم يكن أشد المتشائمين في الاقتصاد البريطاني عندما بدأت معركة البلاد الفعلية مع جائحة كوفيد19 التي اجتاحت العالم وبالذات المملكة المتحدة يظن ان الاقتصاد القوي البريطاني سيتأثر بهذا الشكل المرعب !
ما انفقته الحكومة البريطانية من مصاريف للتصدي لكوفيد من اختراع لقاح وتطويره وتوزيعه بالمجان في أكثر من جرعة معززة, وايضا خسائر الاغلاق الوطني الذي نفذ 3 مرات خلال عامين وما نجم عنه من جمود واغلاق لشركات ومحلات وتوقف نشاطات وقطاعات تجارية وصناعية وسياحية وحرفية, بالاضافة للمساعدات المالية الكبيرة التي انفقتها الحكومة لدعم هذه القطاعات من ناحية, ودعم ملايين البريطانيين الذين اصبحوا عاطلين ولو مؤقتا عن العمل, كل هذه المصائب وغيرها جعلت بريطانيا تعاني من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث منذ ما يقارب 300 عاما !
سوناك يريد خفض الضرائب منذ أن كان مستشارا لوزارة الخزانة البريطانية في عهد رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي عاصر كل هذه الكوارث الاقتصادية الانف ذكرها. وكان هذا التزام سوناك من ذلك الوقت وهو ايضا التزام جونسون عند توليه منصب رئاسة الوزراء في 2019 عقب ماي تيريز.
ورغم ان جونسون ادار ملف كوفيد بنجاح نسبي وحافظ بنفس الوقت على الاقتصاد البريطاني متماسكا رفقة ريشي سوناك, إلا أن استقالة جونسون بسبب انتهاكه قواعد السلامة العامة ,كان له الأثر في حقبة جديدة تداعى معها الاقتصاد البريطاني لدرجة اسوأ مما كانت عليه !
الاقتصاد البريطاني في عهد ليز تروس
بعد استقالة بوريس جونسون تم تعيين ليز تروس بمنصب رئيس وزراء بريطانيا لتكون ثالث امرأة عبر تاريخ بريطانيا تتولى هذا المنصب الرفيع.
ورثت ليز تروس مجموعة كبيرة من المشاكل من سلفها المستقيل وكلها مشاكل اقتصادية في الغالب, كانت المشكلة الاساسية لتروس تكمن في طريقة لدعم البريطانيين المنهكين من كوفيد19 وما خلفه من أثار على وضعهم الاقتصادي وتسبب في أزمات كثيرة كأزمة المعيشة وأزمة الوقود التي ارتفعت فواتيرها لتلامس 3500 جنيه استرليني وسطيا.
حاولت ليز تروس عبر الموازنة المصغرة مع مستشار وزارة الخزانة الجديد كوارتينغ أن تقدم مساعدات مالية للبريطانيين وبالفعل هذا ما فعلته عبر تخفيض الضرائب وتنويع المساعدات المالية و وضع سقف لفواتير الطاقة عند 2500 جنيه استرليني ,وغيرها من الأمور والمساعدات النقدية.
وكانت تروس تأمل في سد هذه الفجوة في الموازنة عبر فرض ضرائب على الشركات الكبيرة كشركات الوقود والطاقة وغيرها, لكن الأمر لم ينجح ,بل انه تحول لكارثة اقتصادية كبيرة كادت ان تطيح بالجنيه الاسترليني والاقتصاد البريطاني ككل ,وقد هبط الجنيه الاسترليني لمستويات لامست لاول مرة منذ 21 عاما حدود الدولار الامريكي, بسبب عدم الثقة بالاقتصاد البريطاني وانعدام الموارد التي تلبي حاجة تروس من هذه المساعدات.
فما كان من رئيسة الوزراء إلا أن قدمت استقالتها بعد 41 يوم لتكون اقصر رئيسة وزراء من حيث المدة في المنصب.
سوناك يريد خفض الضرائب في حقبته الرئاسية
السرد البسيط الموجز للوضع الاقتصادي في بريطانيا قبل حقبة رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك يعطينا فكرة وصورة واضحة عن حقبته الممتدة حتى الأن.
فقد سارع سوناك بتغيير الموازنة المصغرة التي وضعتها ليز تروس, والغى العديد من المساعدات المالية, ورفع الضرائب عن الشركات الكبرى ,كما أنه فرض معدلات ضرائب أعلى في العديد منها ,وكل ذلك لايجاد موارد للخزينة تعزز ثقة المتعامل الاقتصادي بالحكومة وقدراتها وهو ما جعل الجنيه يعود الى سابق عهده ويوقف رحلة الهبوط التي جعلته يوازي اليورو والدولار تقريبا من حيث القيمة.
ويمكن حصر المشاكل الرئيسة التي كانت سببا في ضرب الاقتصاد البريطاني منذ عام 2020 فيما يلي:
1- الانفاق الكبير بسبب جائحة كوفيد.
2- الخروج من مظلة الاتحاد الاوروبي.
3- الحرب الروسية الاوكرانية وارتفاع اسعار صادرات الوقود.
4- الركود الاقتصادي الذي اصاب بريطانيا عقب الشلل الاقتصادي في مرحلة الصراع مع كوفيد.
وهناك اسباب أخرى لكن تقريبا ما استعرضناه كان يمثل الاسباب الكبرى الاساسية, والتي بالرغم من محاولات سوناك ومستشار وزارة الخزانة جيرمي هانت ,في تداركها , لكنهما فشلا في سد العجز بالموازنة والذي وصل الى نحو 35 مليار جنيه استرليني, ولا يزال هذا العجز قائما حتى عام 2023, ومتوقع ان يتم سده بعد بيان الموازنة الخريفية في قادم الايام حيث سيوضح جيرمي هانت موارد الدولة القادمة.
وشكل ذلك خرقا لتعهد حزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة في 2019 بأنهم لن يرفعوا التأمين الوطني national insurance، وضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة، ولكن ريشي سوناك نفسه عندما كان يشغل منصب المستشار المالي سوناك قام بزيادة التأمين الوطني وأخذ البلاد إلى أعلى عبء ضريبي منذ 70 عاما.
سوناك يريد خفض الضرائب ويطلب من الشعب البريطاني ان يثق به
بناء على ما تقدم يمكن أن نتلمس العذر لرئيس الوزراء, سوناك يريد خفض الضرائب فعلا لكنه يبحث عن مخرج لا يؤدي بالاقتصاد للهلاك كما فعلت ليز تروس والتي تحمست لمساعدة الناس على حساب الاقتصاد البريطاني الذي لم يستطع عبر وزارة الخزانة تأمين متطلبات خطتها.
ولكي نفهم الصورة أكثر, فإن حزب المحافظين الذي مثله في منصب رئاسة الوزراء كل من بوريس جونسون وليز تروس والان ريشي سوناك, بيان هذا الحزب في انتخابات 2019 التي فاز بها على حساب منافسه الازلي حزب العمال, كان البيان يتعهد حرفيا بخفض الضرائب وعدم رفعها !
لكن هذا الأمر لم يتحقق ,ربما بسبب جائحة كوفيد والتي تفهمها البريطانيون , لكن بعد انحسار الجائحة بنحو العامين ,وانخفاض تأثيرها المباشر على الاقتصاد حيث أن معدل التضخم تراجع منذ يومين من 11,9% الى 4,6%, في أدنى هبوط له منذ 18 شهرا.
والأن يجب على رئيس الوزراء ان يفي بوعوده ,سوناك يريد خفض الضرائب بناء على معطيات جديدة تدعم هذا التوجه الآن, ولعل أبرزها ما ورد عن هبوط معدل التضخم وتراجع اسعار الفائدة والموارد التي دخلت خزانة الحكومة البريطانية عبر عودة الكثير من القطاعات الانتاجية الاقتصادية للعمل بالطاقة القصوى كقطاع السياحة والطيران والضيافة على سبيل المثال.
لم يعد هناك من عذر يمنع رئيس الوزراء من تعديل الموازنة العامة التي ستطرح يوم الاربعاء بما يناسب الوضع الجديد الاقتصادي, وعدم الاختباء طويلا وراء حجج اسعار الطاقة والحرب الروسية الاوكرانية, حيث أن اسعار الطاقة بالفعل انخفضت واستقرت عالميا, وفي بريطانيا لامس البريطانيون هذا الأمر عبر انخفاض معدل فواتير الطاقة لما دون 2000 جنيه استرليني.
في انتظار الموازنة الخريفية البريطانية
مع أن الكثير من بنود الموازنة الخريفية التي يستعد مستشار وزارة الخزانة البريطانية جيرمي هانت لالقاءها على البريطانيين يوم الاربعاء القادم باتت مسربة ومعروفة, إلا ان سوناك يريد خفض الضرائب وهو مصر على ذلك عبر هذه الموازنة تحديدا ,أو لنقل أن بداية خفض الضرائب الملموس ستكون انطلاقته عبر هذه الموازنة تحديدا.
وقد أصر ريشي سوناك على رغبته في خفض الضرائب بعد 18 شهرًا فقط من انتهاكه لتعهد رئيسي لحزب المحافظين من خلال زيادة التأمين الوطني. وذلك في خطاب ألقاه قبل بيان الموازنة الخريفية يوم الاربعاء، وأعلن رئيس الوزراء هذا الصباح:
“أريد خفض الضرائب، وأنا أؤمن بخفض الضرائب”.
وضع سوناك السياسي بات في مهب الريح
وكما ذكرت صحيفة الصن أنها قد تكون محاولة يائسة منه للتستر على سجله المنهزم في الانتخابات الفرعية، فهو يُعتقد أن حكومته قد تعلن عن خفض التأمين الوطني يوم الأربعاء مثل ما ذهب جيريمي هانت في تحديد خطط الضرائب والإنفاق في بيان الخريف.
تصريحات سوناك
قال السيد سوناك اليوم نقلا عن صحيفة الميرور البريطانية, إنه يؤمن بخفض الضرائب “بعناية وبشكل مستدام”. كما قدم تحديثا للاقتصاد. وأضاف:
- «لا يمكننا أن نفعل كل شيء دفعة واحدة، سيتطلب الأمر الانضباط ونحتاج إلى تحديد الأولويات، لكن مع مرور الوقت يمكننا ذلك وسنقوم بخفض الضرائب». قال أمام جمهور في كلية في إنفيلد، شمال لندن. وعلى الرغم من انتهاك وعوده السابقة بشأن الضرائب، قال رئيس الوزراء إن رسالته إلى الأمة هي: “يمكنكم أن تثقوا بي”.
ردود الافعال التي اعقبت تصريحات ريشي سوناك
تزامنت تصريحات رئيس الوزراء مع ظهور تسجيل مسرب لمدير صرف الرواتب الجنرال جون جلين يشير إلى أن العديد من المتقاعدين لا يحتاجون إلى بدل الوقود الشتوي. وكتب سكرتير الظل الأول لوزارة الخزانة دارين جونز إلى المستشار جيريمي هانت للمطالبة بمعرفة المناقشات التي أجراها الوزراء بشأن تجريد المتقاعدين من مدفوعاتهم.
سوناك يريد خفض الضرائب لأنه يشعر بالقلق العميق وخاصة من ذوي الدخل المحدود في بريطانيا والمتقاعدين ومن في رتبتهم.
وحول ذلك قال رئيس حزب العمال كير ستارمر:
- “سيشعر المتقاعدون بقلق عميق بشأن مثل هذه التكهنات، خاصة قبل فصل الشتاء، وسيشعرون بالقلق من أن دخولهم قد تنخفض”. تحت تهديد هذه الحكومة. ويتعين على المتقاعدين بالفعل مواجهة الزيادات الكبيرة في تكاليف المعيشة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بـ فواتير الطاقة.”
والجدير ذكره أن وزارة الخزانة البريطانية استبعدت هذا الصباح تغيير مخصصات وقود الشتاء في بيان الخريف، حيث قال متحدث باسمها: “لن نفعل ذلك”.