محاط بالحمقى ! قراءة تحليلية في كتاب المفكر توماس اريكسون
أسس التقسيم اللوني للشخصيات البشرية الذي سيعطيك أفكار ملهمة في بناء فن العلاقات الانسانية
محاط بالحمقى !
في قراءة مفيدة وهامة جدا لكتاب المؤلف المختص في التنمية البشرية والفيلسوف السويدي المعروف توماس اريكسون, سنحاول في هذا المقال أن نعرج على سلوكيات البشر وصفاتهم عبر استعراض منظومة الكاتب للصفات البشرية عبر استخدام الألوان ومعرفة سبب هذه المنظومة وبما قد تفيدنا في حياتنا وفي تعاملنا مع الأخرين.
محاط بالحمقى !
قصة توماس مع السيد ستور
توماس شاب يعمل في شركة عبارة عن منصة إعلامية تهتم بإحصائيات وأعمال رجال الثروات والاقتصاديين وقد طلب منه مديره أن يذهب الى شركة كبيرة يمتلكها شخص اسمه (ستور) لإجراء لقاء والحوار معه.
كان يعرف عن ستور أنه شخص عصامي وناجح في عمله وحاد الطباع جدا لدرجة أن موظفيه يخافون منه ويخشون الاحتكاك به أو الاجتماع معه بشكل منفرد لأنه لا يتوانى عن شتمهم و وصفهم بالحمقى أو أنه يشعر بالغثيان !
عندما وصل الشاب توماس 25 عاما استقبله ستور وكان يبدو عليه الغضب وقال ( كل من حولي حمقى ! ) واكتشف توماس ان السيد ستور يقسم موظفيه الى فئات وينعت كل فئة منهم بنعت يظن أنه المناسب لهم.
قال السيد ستور ان الموظفين في القسم أ كانوا جميعا حمقى ! فيما أن الموظفين في القسم ب كانوا بلهاء جدا ولا يفهمون شيء على الإطلاق, فيما كان القسم ج الأسوأ وقد وصف ستور المصنفين فيه بأنهم أغبياء لدرجة لا يعرف كيف بإمكانهم أن يأتوا للعمل !
وببراءة الصحفي الغير خبير وبفراسة الشاب الذكي الجريء, وجه توماس سؤال جعل ستور في حالة قلما يشعر بها من الارباك وعدم القدرة على الكلام وكان السؤال :
- ( يا سيدي .. من الذي قام بتوظيف هؤلاء الحمقى !؟ )
لم يجاوب السيد ستور بل أنهى المقابلة وطرد الصحفي الشاب ,ومن حسن حظنا أنه فعل ذلك لأن العالم كسب أحد الشخصيات الهامة والرفيعة القامة في مجال الفلسفة العملية والتنمية البشرية السلوكية .. نحن بحضرة الرائع توماس ايركسون ,المفكر والفيلسوف ورجل المحاضرات الثرية وصاحب المؤلفات الهامة في السلوك البشري ومنها كتابه الهام جدا والذي نحن بصدد تحليله الآن .. محاط بالحمقى !
أقرأ أكثر :
.
الكتاب هام جدا كي تقرأه عزيزي القارئ لأنه يسلط الضوء على أمور سلوكية وفكرية تقوم بها وتفعلها او تمتنع عنها بشكل لا إرادي كما أنه يفسر لك الكثير من الظواهر السلبية في تعاملك مع الأخرين والتي إن غيرتها ستتغير حياتك كليا نحو الأفضل وبالتالي سيتغير معك المجتمع والبيئة التي دائما تلحق السلوك الفردي بحسب مسلمات علم الاجتماع السيسولوجيا.
عندما تقرأ كتاب محاط بالحمقى وتفهمه ستمتلك فن التعامل مع العلاقات الإنسانية, وهو مجال إن أجدت فيه فستعبر خطوط النجاح وتقفز على حواجزها بمنتهى السهولة.
الكتاب متوسط الحجم 320 صفحة, سهل القراءة وبسيط خالي من التعقيدات ولا يحتاج لخبير في العلوم الإنسانية لفهمه وقد حرص اريكسون على جعله بهذا الشكل كي تصل الأفكار لكل من يقرأه بسلاسة.
في الكتاب أفكار كثيرة طرحها اريكسون في كتابه محاط بالحمقى حول الحياة والموت والتعامل والغباء والتكامل والاجهاد ولصوص الطاقة كما اسماهم والسيطرة على الغضب وكيفية التعامل مع الخبر السيء وأمور كثيرة هامة لكن ما استوقفني في هذا الكتاب الممتع الذي ترجم لنحو 41 لغة وتم مبيع مليون نسخة منه هو نظام السلوك البشري وكيف قسمه اريكسون ببراعة شديدة لأربعة ألوان !
فهيا بنا نستعرض ألوان اريكسون ونكتشف الى أي لون ننتمي وما فائدة هذا التقسيم المبدع الذي قام به ضمن كتابه محاط بالحمقى ؟
قام اريكسون بوضع منهج ومرجع للتقسيم اللوني واستعان بأربع عناصر أساسية لبناء هذه المنظومة السلوكية وهي :
الهيمنة (Domination) , التأثير أو الإغراء (Inducement) ,الخضوع (Submission), القدرة التحليلية (Analytical ability). واستعان بنموذج أخر يحتوي أول ثلاث عناصر وأضاف لهم عنصر واحد فقط هو الامتثال (compliance).
وبناء على هذه المفاهيم الواسعة نجح اريكسون في تحليل السلوك الإنساني المختلف بين البشر ,, فما هي الألوان التي اتبعها في كتابه محاط بالحمقى ؟
كيف قسم كتاب محاط بالحمقى الألوان بحسب الشخصيات ؟
الشخصية الحمراء
اختار اريكسون اللون الأحمر نظرا لكونه لون مهيمن وقوي وتأثيره كبير في المشاعر والغضب وأيضا القوة والدم.
وقد خلص اريكسون أن الأشخاص الذين قام بدراستهم وصنفهم تحت اللون الأحمر يتمتعون بالصفات التالية :
( عدواني ,طموح ,حازم ,موجه نحو الأهداف ,نشيط ,يهوى حل المشاكل ,رائد ,حاسم ,مبتكر ,غير صبور ,متحكم ,مقنع ,يتوجه نحو الأداء ,قوي ,يهتم بالنتائج جدا ,مبادر ,سريع ,منظم ,انفعالي ,عنيد ,مستقل )
يقول اريكسون في كتابه محاط بالحمقى أنك لن تواجه أي مشاكل في التعرف على الشخصية التي تنتمي للون الأحمر لأن صفاته واضحة عبر الغضب والجرأة والقدرة على التحكم وسرعة الاندفاع والانفعال والاهداف الكثيرة في الحياة والحماس لتنفيذها.
أنه متوهج دوما مثل اللون الأحمر ومن الصعب أن تسيطر عليه ولديه ايمان بأفكاره وقدراته الخاصة بشكل غير طبيعي ,يستمتع بالتحدي واتخاذ القرارات. هم دائما عالي الصوت وأول من يجاوب بل أنه يبذل مجهود سخي في الشرح للمستمع !
ويقول اريكسون أن أصحاب الشخصية الحمراء ليسوا قادة بالفطرة بل أن صفاتهم تجعل منهم كذلك لأنهم عاشقون للتنافس.
أصحاب الشخصية الحمراء لا يوجد لديهم وقت فراغ في حياتهم بدون أي أثر أو عمل أو هدف ,هم مسرعون في طريقهم لأنهم يدركون أن الحياة قصيرة ,لذا غالبا ما يفشلون في علاقاتهم الشخصية والعاطفية اذا ما اقترنوا بشخصيات من غير ألوان لأن هؤلاء من الصعب ان يجاروهم في سرعتهم وحماسهم ! وقد وصف توماس أصحاب هذه الشخصية بأنهم نادرون في الحياة !
الشخصية الصفراء
لون الشمس والانفتاح والنور, هذا اللون الذي يرمز للطاقة والضياء والإلهام والولادة ,ولكن حذاري بقدر ما الشمس مضيئة وجميلة لكن يمكن أن تحرقك وكذلك هم أصحاب الشخصية الصفراء !
وأبرز صفات هذه الشخصية التي وردت في كتاب محاط بالحمقى :
( متحمس ,خلاق ومبدع ,اجتماعي ,كثير الكلام ,متفائل ,متحمس ,عفوي ,رومانسي ,حيوي ,متمركز حول ذاته ,عفوي ,معبر ,حساس ,متكيف ,مرن ,صريح ,دائم الحاجة للاهتمام ,ودود ,متساهل ,ذو خيال واسع ,ملهم)
غالبا ما يكون أصحاب الشخصية الصفراء حالمون ويتمتعون بخيال واسع ولديهم طاقة كبيرة مشرقة دائمة, يجيدون فن الاستمتاع في الحياة ,ويقول اريكسون أن أصحاب الشخصية الصفراء هم الوحيدون الذين يلاحظون أشعة الشمس الصفراء من خلال الغيوم الداكنة ,في دلالة على كمية التفاؤل التي يمتلكونها !
وأطلق اريكسون تشبيه جميل جدا حول الشخصية الصفراء فقال ( عندما ترى شخص في حفل ما يتحلق حوله الجميع فأعلم أنه من ذوي الشخصية الصفراء لأن لديه قدرة جذب كالشمس فهو لطيف ودائم الابتسامة والتفاؤل والمرح ).
حساسون للغاية ولديهم قدرات رومانسية وحتى قرارتهم عادة ما تنبع من الجوانب المتعلقة بالمشاعر لا المنطق. وهم الأكثر قدرة على بناء العلاقات نظرا لكونهم منفتحون ومرنون ومتكيفون مع أي علاقة أو بيئة.
قدرة أصحاب هذه الشخصية على الكلام المتواصل ودمج المواضيع مع بعضها والاجابة على الأسئلة بطريقة سردها عبر القصص ,فهي قدرة عجيبة وغريبة ,تجعل المستمع منشد ومنبهر ومستمتع بنفس الوقت ولا يشعر بالضجر. لدرجة أن اريكسون يقول عنهم في كتابه محاط بالحمقى ( قادرون على بيع الثلج للبطريق والرمل للجمل !) ولذلك صنف اريكسون أصحاب هذه الشخصية بأنهم الأكثر متعة وشعبية بل أنهم الشخصيات المحببة بين كل الشخصيات الملونة الأخرى !
الشخصية الخضراء
لون الطبيعة الخضراء ,لون العطاء ,لون الأمان ,لون السلام ,لون الجمال ,الود والطيبة والهدوء والسلام النفسي لكن حذاري .. من غضب الطبيعة !
وأبرز صفات أصحاب الشخصية الخضراء :
( صبور ,متمهل ,ودود ,مستمع ,طيب القلب ,ثابت انفعاليا ,متواضع ,مخلص ,وفي لمبادئه ,قوي ,مسهب ,متزن ,حصيف ,مساعد ,منتج ,مثابر ,متحفظ ,لا يظهر مشاعره )
يقول اريكسون أن أصحاب الشخصية الخضراء هم الأكثر شيوعا وانتشارا في العالم لأنهم يرمزون الى التوازن الذي يميز النفس البشرية وسعيها نحو الاعتدال بشكل دائم.
وهم الأقل قدرة على التنافس والتطرف في الأفكار لأن أكثر ما يميزهم هو السلام الداخلي الذي يعيشون به والقدرة الكبيرة على العطاء والدعم. وهم لا يسعون نحو ابهار الاخرين ورسم الأهداف الصعبة وخوض التحديات وغالبا لا يحبذون فكرة أن يكونوا ضمن الأضواء.
لكن رغم صبرهم الكبير وميولهم للسلام يتمتع أصحاب الشخصية الخضراء بغضب عارم في حال الإساءة لهم !
وفي خلاصة الكلام عن أصحاب هذه الشخصية يمكن القول أنهم أصدقاء أوفياء وأزواج مثاليين وشركاء عمل امينين ,هم أكثر ما يمكن ان تطمح إليه بصفاتهم الودودة, وقد وصفهم اريكسون في كتابه ( الأشخاص ذو الشخصية الخضراء هم طيبة متجسدة على الأرض ,يمكنك أن تتوقع مد يد المساعدة منهم كلما احتجت لذلك )
الشخصية الزرقاء
لون الماء والسماء ورمز البرودة والتجمد ,لون الصفاء والثبات والنقاء ,لون البحار ورمز الامتداد .. لكن حذاري .. من هذا الامتداد !
صفات أصحاب الشخصية الزرقاء :
( صارم ,بارد بالمشاعر ,غير ودي ,منظم ,مستقيم ,موضوعي ,تحليلي ,مفكر ,بطيء القرارات ,يسعى للكمال ,مسيطر ,صاحب منهج ,قواعدي منطقي , متشكك ,تهمه التفاصيل ,يحب الأسئلة والمعلومات ,متحفظ ,مدقق )
أصحاب الشخصية الزرقاء عادة ما يكونون مثيرين للاهتمام لأنهم يتجهون للتفاصيل ومن الصعب قيادتهم وهم دائمي التأمل بكل ما حولهم من متغيرات ومعطيات ولديهم قدر عال من الحيطة والحذر والتشكك في كل أمر وشخص حولهم.
هم منظمون بشكل مريب لدرجة أنك تستغرب استعانتهم الدائمة بدفاتر الملاحظات لتنظيم أوقاتهم وأشياءهم ومواعيدهم ,من أكثر الصفات التي قد تثيرك بالتعامل معهم أنهم جذابون لدرجة أنهم قد يجذبوك الى أفكارهم بطريقة غير متوقعة لأنهم يحبون الاحتواء والامتداد.
أغلبهم اشخاص متشائمون ومتحفظون ويرون المخاطر أكثر من غيرهم لذا يمكن ان يكونوا ملاذ جيد لك عند اقدامك على عمل أو مشروع او تغيير هام في حياتك.
وقد قلنا في مقالات سابقة ان الصفة السيئة ليست سيئة بالمطلق وانه لا وجود لشيء سيء فحتى الصفة السيئة يمكن ان يتنج عنها أفعال جيدة أحيانا.
يقول اريكسون عن أصحاب الشخصية الزرقاء أنهم دقيقون جيدا في معلوماتهم ومن النادر ان يعطوا معلومة خاطئة وأن أجمل ما يميزهم أنهم مستقيمون جدا ولا يقبلون هوامش الأخطاء.
ما فائدة تقسيم كتاب محاط بالحمقى البشر الى فئات لونية ؟
بعد ان استعرضنا كل فئة وما يرمز لها باللون من السهل أن تفهم ما يرمي إليه اريكسون في كتابه ,ففي البداية يمكنك من خلال التقسيم أن تعرف نفسك لأي لون تنتمي مع أنه لا يمنع ,وبحسب اريكسون ,أن تحمل صفات أكثر من لون لكن لابد أن يكون لكل منا لون يعتبر هيكله الأساسي الذي يعبر عنه وإن استقى بعض الصفات البسيطة من ألوان أخرى.
إن معرفتك بصفاتك تساعدك بشكل كبير على استثمارها والعمل من خلالها والتطور وبناء علاقاتك مع الأخرين بل أيضا اختيارات في العمل والعلاقات الاجتماعية.
لكن ما هو أهم من ذلك بنظري أنك عبر هذا التصنيف يمكنك اجادة فن التعامل في العلاقات الإنسانية مع الغير ! وهو فن يفتقده أغلبنا.
إن معرفة اللون الذي يميز شريكك بالحياة أو بالعمل أو الصديق يساعدك كثيرا على فهم صفات هذا الصديق وإيجاد افضل طريقة للتعامل معه أو تحاشيه والابتعاد عنه أو إيجاد حلول وسطية, كل ذلك يمكن ان تتقنه عبر معرفة وكشف صفات الأخرين عبر الانتماء اللوني الذي يعبر عنهم , ومن هنا تأتي أهمية كتاب محاط بالحمقى.
العبرة المستقاة من كتاب محاط بالحمقى
دعونا نعود لمدير الشركة في مقدمة المقال السيد ستور والذي وصف نفسه انه محاط بالحمقى وقد أطلق هذا التقييم لا لشيء ولا لأن موظفيه فعلا حمقى ,بل لأنهم فقط لا يتشابهون مع تفكيره !!
الآن بمقدورك أن تفهم وتعرف الى أي لون ينتمي السيد ستور, وعلى أي أساس صنف نفسه بأنه محاط بالحمقى, وأنظر عزيزي القارئ لهذه الجملة وخطورتها وكيف أننا نحيا بها في مجتمعاتنا فإن هذه الحالة عندما تتملكك ستجعل بينك وبين جميع من حولك هوة عميقة وتظن أنك الأذكى والأعلم وصاحب الإلهام والإبداع والكل من حولك حمقى واغبياء وتستغرب لما لا يفهمون ما تقوله ولما لا يقدرون موهبتك !
وبالتالي يستمر المجتمع بإنتاج هؤلاء والمصيبة عندما يقودون الأعمال والمشاريع والأمة بحد ذاتها فهل لك أن تتخيل أهمية كتاب اريكسون الآن في الحد من انتشار ظاهرة هؤلاء الذين يظن أحدهم أنه ذكي جدا لكنه محاط بالحمقى !
المصادر :
كتاب توماس ايركسون محاط بالحمقى