فن اللامبالاة ,نبذة عن كتاب في 272 صفحة من الشغف الانساني !
الكتاب الأشهر لمارك مانسون والذي يصدمك بوقائع في نفسك وحياتك وسلوكك قد تعرفها لأول مرة
المئات والآلاف من الكتب التي تطبع سنويا بشتى مناح الحياة ولكن قلة منها من تترك أثر فينا ككتاب فن اللامبالاة للكاتب العبقري مارك مانسون والذي يعرفك بنواحي كثيرة في حياتك وسلوكك وطباعك واتجاهاتك ويخوض بك في سراديب طويلة تتحدث عن الألم والمعاناة والقيمة الحقيقية. لنتابع نبذة عن أهم الافكار التي تناولها الكتاب.
فن اللامبالاة
القارئ للكتاب قد يصدم بداية من العنوان وطريقة الكاتب التي تعتقد أنه يقصد بعبارة , فن اللامبالاة , أن تكون شخص غير مسؤول ولا تعبئ بشيء ولا تبالي بشيء وان تعيش حياتك كما يحلو لك وبذلك تتخلص من المعاناة أو على الاقل تخفف منها عبر فن اللامبالاة !
لكن هذا طبعا غير صحيح ,فالكتاب الذي يقع في نحو 272 صفحة يبحر بك في عوالم كثيرة للنفس البشرية وسلوكها وطباعها الغريبة عبر استعراض عدة مفاهيم نجح الكاتب في تقسيمها لأبواب وكل باب يبدأه بقصة تحمل العبرة ومن ثم ينتقل لشرح المعنى في هذه القصص وكيف تستخدم فن اللامبالاة في معالجة الاشكاليات النفسية والسلوكية التي تستنتجها في كل قصة على حدا.
قصة الضابط الياباني أونودا
في عام 1944 تلقى الضابط الياباني اونودا أوامر بالذهاب لجزيرة لوبانغ في الفليبين مع مجموعة من الجنود وتأخير تقدم الجيش الأمريكي نحو اليابان قدر الإمكان ,ونفذ اونودا الأوامر حرفيا وقاتل مع جنوده إلا أن القوات الأمريكية اكتسحت كل هذه الجزر وقتلت الجنود اليابانيين ومن حسن حظ اونودا أنه نجا مع 3 من رفاقه واختبئوا داخل أدغال الجزيرة واستمروا بالقتال من هناك بطريقة حرب العصابات !
انتهت الحرب العالمية الثانية ولكن اونودا وأصدقائه استمروا بالقتال لانهم في الادغال ولا يعلمون ما حدث في العالم الخارجي مما اجبر الحكومة اليابانية على طباعة منشورات تفيد بانتهاء الحرب ورميها من الطائرات على هذه الجزر كي يتسنى للمقاتلين معرفة ما حدث والعودة الى اليابان وفعلا عاد الجميع إلا اونودا ورفاقه لأنهم ظنوا أن المناشير خدعة من الجيش الأمريكي ,واستمروا بالقتال !
مضى سبع سنوات منذ انتهاء الحرب واونودا في الادغال يقاتل الامريكان ,وبعد انسحاب أمريكا من المنطقة بقي يقاتل السلطات المحلية والجنود الفلبينيين لانه يعلم ان الفلبين حليفة لامريكا عدو اليابان ! في الحقيقة ان اونودا استمر بالقتال لغاية عام 1972 ! أي بعد انتهاء الحرب بنحو 28 سنة كاملة رغم ان أصدقائه قتلوا وكان يقاتل وحيدا !
اونودا يرفض العودة ويستمر بالقتال
رغم كل محاولات الدولة اليابانية لاعادة اونودا ,وكل محاولات حكومة الفيلبين وجيشها للقبض عليه وترحيله الى اليابان , إلا ان اونودا بقي صامدا داخل الادغال ولسخرية الاقدار ان من عثر على اونودا أخيرا كان شاب يافع ياباني يعشق المغامرة وقد سمع بقصة اونودا واصبح يحلم برؤية هذا البطل وسافر الى الجزيرة وبحث عنه بالادغال إلا أن وجده وبعدها اصبحا صديقين واخبره ان الحرب انتهت وان عليه العودة لليابان .. وهذا ما كان !
عاد اونودا الى اليابان ليستقبل استقبال الابطال واصبح حديث الناس والصحافة وأمطروه لقاءات تلفزيونية وصحفية وجلس مع كبار السياسيين وقادة الأحزاب والجيش الياباني وصرفت له الحكومة مبلغ ضخم من المال تقديرا لوفاءه واخلاصه وأجرت له راتب ثابت أيضا.
باختصار اونودا اصبح في تلك الفترة أشهر رجل في اليابان ,وكل ذلك يجعل أي شخص في العالم سعيدا إلا شخص واحد كان يعيش الاكتئاب .. اونودا !
في الفيديو : فن اللامبالاة
احباط اونودا
أدرك اونودا أن القيم الحقيقية التي كان يقاتل في الغابات من اجلها طيلة ثلاث عقود لم تكن سوى وهم لا معنى له عندما عاد لبلده و وجدها اختلفت قالبا وقلبا فلم تعد اليابان الدولة القوية ذات المبادئ الراسخة التي تدعو للسيطرة على العالم والهيمنة وبسط النفوذ ,لم تكن اليابان التي خرج بعام 1944 ليدافع عنها ويدفع حياته ثمنا رخيصا لتلك الإمبراطورية مما جعله يفقد القيمة الحقيقية لما يفعله وبات يسأل نفسه ما الذي سيعيش من أجله الآن بعد انتهاء كل شيء !
توارى اونودا عن الأنظار وبعد 6 سنوات من عودة الى بلاده قرر الرحيل عنها نهائيا تاركا وراءه لغزا محيرا اسال لعاب وحبر علماء النفس لدراسة تلازم .. القيمة والمعاناة في النفس البشرية !
ما هو فن اللامبالاة ؟
كتاب فن اللامبالاة يبحث في علم النفس والتنمية للكاتب العبقري مارك مانسون كما اسلفنا ,وقصة اونودا تشكل واحدة من قصص كثيرة تناولها الكتاب لشرح مفاهيم بعضها جديد في ما يسمى معالجة مشاكل الحياة عبر فن اللامبالاة .
الكتاب جاء صادم للكثيرين عن ما تحمله النفس البشرية تجاه مفاهيم السعادة والفشل والمعاناة والقيمة وكيف تنجح في حياتك باستخدام فن اللامبالاة ! ومن المحال أن اعرج على كل المفاهيم العميقة الكثيفة التي تضمنها الكتاب لذا سنحاول تحليل أهم تلك المفاهيم المفيدة لنا في سلوكنا اليومي والتي ان فهمناها من المؤكد أن حياتنا ستتغير نحو الأفضل.
معالجة المشاكل عبر فن اللامبالاة
ونبدأ من حيث انتهينا من قصة اونودا والتي تحمل الكثير من المفاهيم المهمة لمعنى تحمل المعاناة عبر ربطها بالقيمة الحقيقية, فما جعل اونودا يتحمل معاناة القتال نحو 30 عاما في الغابات وأكل الحشرات والقوارض والنوم فوق الأشجار هو أن قيمة ما يقوم به حقيقية بالنسبة له ولو كان عكس ذلك أو لم تحمل تلك القيمة فلن يتحمل المعاناة اطلاقا.
الأمر الأخر أن القيمة المرافقة للمعاناة تضفي عليها طابع السعادة لأنك تعاني من أجل غاية عظيمة ,كمن قرر أن يدرس باجتهاد ليكون طبيبا او مهندسا او محاميا لامعا فهو يدرك مع كل سنة تحمل له معاناة كبيرة أنه يسير في الطريق الصحيح نحو هدفه وهنا يجب عليك أن تطرح تساؤل هام جدا في حياتك التي تعاني فيها من أمور كثيرة ..
( كيف أوقف هذه المعاناة ؟ واصلا لماذا أعاني ؟ لأي غاية !؟ )
اغلبنا قد يصدم لأنه لم يطرح على نفسه هذا السؤال بشكل جدي ولو لمرة ؟ لماذا تعاني من أشياء ومواقف واشخاص .. الخ ,قد لا يعنون لك أي قيمة تعاني من أجلها !
وهنا يقرر مارك مانسون أن يعطيك الوصفة السحرية في فن اللامبالاة وهي ( المعاناة المقبولة هي التي تحمل القيمة ,وما عدا ذلك فعالجها بفن اللامبالاة ! ) ,فكل ما ليس له قيمة لديك لا تجعل منه حدثا يجعلك تعاني في حياتك !
في الفيديو : هل مشاكلك غير قابلة للحل ؟ – فن اللامبالاة
في اللامبالاة والقدرة على توجيه النفس نحو الاهداف
فن اللامبالاة هو قدرتك في ان توجه طاقتك لما هو مهم في حياتك وعدم الاستغراق بما هو غير مهم ,ومارك مانسون لا يقصد باللامبالاة ان لا يسعى الانسان نحو أهدافه واحلامه وما هو افضل لحياته ,بل على العكس هو يحث الجميع على ذلك عبر استخدام فن اللامبالاة الذي يحارب فيه التطرف الكبير في الاتجاه نحو المثالية بالحياة وطريقة النجاح والعمل وبناء العلاقات وما الى ذلك يقول مانسون:
( كل ما له قيمة في الحياة يمكن ان تكسبه عبر التغلب على المعاناة المرافقة لاكتسابه )
لنوضح ما سبق ونسلط الضوء على أمر هام للغاية ..
طبيعتنا تقودنا الى محاولة أن نكون مثاليين في تصرفاتنا وعلاقاتنا مع الأخرين أكثر من اللازم في الكثير من الأحيان ,وهذا الأمر ينتج عنه أننا نطالب الأخرين أيضا ان يسيروا في نفس المنظومة التي نسير بها ورسخت في دماغنا وهنا نقع في مستنقع أو فخ تجاهل القيمة !
مثال يشرح أهمية فن اللامبالاة في تقييم العلاقات الخارجية
كثيرون منا قطعوا علاقاتهم مع احباء أو أقرباء أو حتى شريك حياة مستقبلي لأنه لا يقدم الاهتمام المطلوب واللازم لهذه العلاقة ! ونحن هنا ننسى أن هذا الشخص قد يكون لديه تعبير عن الاهتمام مختلف عن تعبيرنا الشخصي.
بمعنى انا اشعر بالاهتمام من قبل احدهم عندما يتصل بي ويسأل عني و و و ..الخ, واذا لم يفعل ذلك تبرد العلاقة فيما بيننا الا ان تقطع نهائيا !
في الواقع انا هنا لم ألجأ للقيمة الحقيقية لهذا الشخص لاحكم بها على محبته أو صدقه تجاهي بل توجهت بالشكل الذي أنا أشعر به بهذه القيمة ! وكم خسرنا من اشخاص في حياتنا لأننا نطالبهم بأن يكونوا نسخة مكررة عنا حتى بالتعبير عن اهتمامهم بنا ففضلنا الشكل والتصرف الخارجي عن القيمة والمضمون الحقيقي !
وفن اللامبالاة هنا يتدخل ليعدل من هذا السلوك الخاطئ لدينا ,فلا تبالي أن لم يقدم لك الشخص ذلك القالب الافتراضي من الاهتمام الذي تبحث عنه ولا تجهد نفسك كي يصلك ,وعوضا عن ذلك ابحث في القيمة الحقيقية للشخص ,هل وقف معك في الشدائد ؟ هل كان عون لك في المحن ؟ هل عبر عن اهتمامه بطريقة مخالفة لطريقتك ؟ هل يمتلك فعلا الاهتمام الحقيقي ؟
اسأل نفسك كل تلك الأسئلة فاذا كانت الإجابة نعم فلا تبالي بالاشكال والقوالب الخارجية !
مفهوم الفشل واسبابه
من أعظم الأفكار التي تناولها مارك مانسون في كتابه هو مفهوم الفشل وربطه ربط جديد مع عدة سلوكيات خاطئة نقوم بها في حياتنا.
ففي الفصل الأول يستعرض قصة لكاتب وفيلسوف وشاعر يدعى تشارلز بودلوفسكي ,وهو شخص عاش خمسين عاما من حياته يحاول ان يقنع دار نشر بتبني رواية او أطروحة او ديوان شعر له وفشل فشلا زريعا وكان مع كل فشل ينزلق أكثر نحو الهاوية في حياته اليومية التي أصبحت عبارة عن شرب الكحول ومعاشرة النساء ولعب القمار !
وفي يوم من ذات الأيام منحت احدى دور النشر الفرصة له وطبعت روايته ( في مكتب البريد ) ولاقت نجاحا كبيرا وتبعتها طباعة العديد من اعماله واصبح الرجل مشهورا في الوسط الفكري والادبي ,وعندما مات أوصى ان يكتب على قبره عبارة واحدة فقط .. لا تحاول !
صراعنا الدائم مع الفشل
أحدى كبرى مشاكلنا بصراعنا مع الفشل أننا نحدد اهداف كبيرة وعظيمة لأي شيء نقوم به منذ البداية ,وبالتالي نكون أسرى هذه الأهداف فإن لم تتحقق رغم سعينا الحثيث نحوها فإننا نشعر بالفشل ونتجاهل أننا قطعنا مشوار كبير نحوها متوج بالنجاح !
إن عدم رؤيتنا إلا لتلك الأهداف يعمينا عن رؤية ما قمنا بانجازه حقا في حياتنا ,وهنا يبرز محرك أخر للفشل نقع به جميعا وهو المقارنة !
أغلبنا يخضع نفسه للمقارنات مع الاخرين الذي يظن انهم اشخاص رائعون وناجحون وان السبيل الوحيد للنجاح هو ان نكون مثلهم وننسى أو نجهل القاعدة الذهبية في المقارنة التي تشعرنا دوما بالفشل وهي ..
( نحن دائما نقارن أسوأ ما لدينا .. بأفضل ما لدى الأخر ! )
إن هذه المعادلة تقودنا دوما نحو الفشل لأنها تحجب عنا كل ايجابياتنا التي نتفوق بها على الاخر وندور في فلك ما هو ناقص او رديء فينا ,لنحكم بالنهاية على انفسنا من زاوية هذا الرديء الذي نراه مميز عند الاخرين !
فعالج مقارناتك بفن اللامبالاة ولا تبالي بالنقص الذي لديك والوفرة التي لدى غيرك ولا تجتهد في الوصول لحالة المثالية والكمال التي ستعميك عن رؤية المشهد بصورة كاملة.
أقرأ أيضا :
- تعيش دون مأوى في شوارع لندن , قصة أم لـ 4 أطفال اضطرت أن تضع ابناءها في التبني كي تعيش
- منتزه new forest في بريطانيا يحتوي على 5000 مهر ويمتد على 140 ألف فدان
أجمل ما قاله مارك مانسون في كتابه فن اللامبالاة
أدرك علم النفس حقيقة أن كلما زاد غباء الانسان زادت سعادته, وكلما اجدت فن اللامبالاة في حياتك زادت سعادتك.
أنت تعيش في حياة ممزوجة بالمعاناة للفقير والغني ولا سبيل لحياة لا توجد بها معاناة فأجعل لمعاناتك هدفا تسعى نحوه ينسيك مرارتها وأعلم ان محاولة تجنب المعاناة هي معاناة في حد ذاتها كما يقول مانسون.
ولا تهدر وقتك وحياتك في البحث عن المثالية لأن ما من أحد قادر على ارضاء الجميع ,وخذ العبرة من قصة اونودا الذي عندما عاد لبلاده وصفه البعض بالاحمق الذي اهدر حياته سدى !
ولا تقس نجاحك في أي أمر بمقدار هذا النجاح ,بل قسه بمقدار كم مرة فشلت لتصل الى النجاح لأنه المعيار الحقيقي في القياس.
نحن مقدر علينا أن نعيش هذه الحياة بكل ما فيها من شدائد ومصائب لذا ,, فلنخفف عنا وطأة كل ذلك ونتعلم .. فن اللامبالاة !
في الفيديو : الكتاب المسموع الكامل فن اللامبالاة لمارك مانسون
المصادر :