لايف كوتشينج ,مهنة جني الأموال أم استنزاف الأموال
لايف كوتشينج مهنة ناجحة فقط في أخذ أموالك! .. من ضمن مهن كثيرة اطلت علينا من مواقع السيشول ميديا كانت مهنة لايف كوتشينج ,والتي بات يمتهنا الكثيرون ويجنون منها الأرباح الطائلة ,فما هي مهنة لايف كوتشينج ,وهل هي علم حقيقي أم مزيف؟
لايف كوتشينج مهنة ناجحة فقط في أخذ أموالك!
“ما الذي تحتاج إليه لكي تصبح إنسانا ناجحا؟!”، لا بد أن هذا السؤال قد جال ببالك لفترة، أو ربما هو يفعل الآن، كلٌّ منّا يريد أن يصبح أفضل صورة من ذاته، يريد أن يعمل فيما يحب ويتزوج من يحب ويحصل على مستوى مادي واجتماعي مناسب، فقط مناسب، فطلباتك من هذه الحياة بسيطة، لا تريد أن تصبح ثريا مثل مارك زوكربيرغ مثلا، لكنك تود لو تمتلك بعض الرضا عن ذاتك وعلاقاتك مع الآخرين، لكن الأمر يبدو للوهلة الأولى محيرا، فيوما بعد يوم لا تتمكّن من امتلاك الأفكار الصحيحة التي تضعك على مسار يؤدي إلى المستقبل الذي تتمناه، حيث تواجه الكثير من المشكلات التي يجب أن تتخذ فيها قرارات متنوعة لا تدرك أيها أفضل من الآخر، في تلك النقطة يظهر الـ لايف كوتشينج.
أقرأ أكثر:
- فن اللامبالاة ,نبذة عن كتاب في 272 صفحة من الشغف الانساني !
- محاط بالحمقى ! قراءة تحليلية في كتاب المفكر توماس اريكسون
- في فلسفة الجمال ,عبرت الشط على مودك !
لماذا لايف كوتشينج وليس “مدربا”؟
حسنا، الـ لايف كوتشينج هو ببساطة “المدرب”، وتنتشر الكلمة باللفظ الإنجليزي مكتوبا بالأحرف العربية لسبب واحد، وهو أن “التدريب” كلمة صعبة ومرهقة وتشعرك أننا نتحدث عن مدرب كرة قدم. في الحقيقة، يمكن القول إن هذا النطاق بدأ بالأساس من ملاعب الكرة، والرياضة بأنواعها، فبجانب دور المدرب الرئيسي في وضع الخطط وتوقع تكتيكات الخصم وتوطين كل لاعب في أفضل مكان له، يجيء دور آخر مهم يتعلق بالكيفية التي يمكن بها تحفيز اللاعبين، ورفع درجة تواصلهم معا، وتواصله هو شخصيا مع كلٍّ منهم على حدة، وتزويدهم بروح الفريق، من أجل بذل أكبر جهد ممكن أثناء اللعب.
أما الآن، فإن هذا الاصطلاح لايف كوتشينج يعني الكثير من الأشياء، لدرجة أنك لو وددت الوصول إلى تعريف واحد ثابت لما يعنيه الـ لايف كوتشينج سوف تُرهق قبل الوصول إلى ما تريد، خاصة مع قدر التنوع الذي يدخل إلى هذا النطاق، فهذا النوع من التدريب يبدأ من الأمور المتعلقة بالتسويق والموارد البشرية وصولا إلى تدريب الطلبة والأزواج والمحبين والأطفال والمراهقين والبحث عن وظيفة والقيادة الفعّالة والأمور الروحية، حتّى إنه في أثناء البحث التقينا بـ “لايف كوتشينج” خاص بالتخسيس، ما الذي يفعله هذا الشخص؟ يساعدكم -إلى جانب الطبيب- على الالتزام بالحمية الغذائية؟!
على الرغم من ذلك، فإنك قد تود أن تحصل على شخص كهذا في حياتك، وستوافق على دفع المال له بلا مشكلة، فأنت تود بالفعل أن تصل إلى 70 كيلوجراما التي طالما حلمت بها وتخيّلت نفسك على شواطئ الإسكندرية دون الحاجة إلى ارتداء قميص ليخفي جسمك من الأعلى، لكن ما يدعونا للتأمل هنا هو طبيعة تلك المهنة الحديثة. بمعنى أوضح، التدريب مهم، ذلك شيء نتفق عليه جميعا، دعنا مثلا نتأمل تلك الدراسة التي قام بها فريق من جامعة إيلنوي لفحص الدور الذي تلعبه القدرات غير الإدراكية -ونقصد هنا مجموعة من العادات التي يمكن لشخص ما أن يواظب عليها- في مستقبل الطلبة.
وكان الفريق قد فحص نتائج اختبار قدرات إدراكية قامت به المعاهد الأميركية للبحوث في العام 1960 لعيّنة مكوّنة من 370 ألف طالب أميركي في المرحلة الثانوية، بجانب ذلك فحصت أيضا مجموعة قدرات أخرى تضمّنت المواظبة على أداء الواجبات المدرسية والالتزام بالحضور والمتابعة للحصص الدراسية والسلوك المسؤول تجاه تلك المهام في العموم، خلال أعوام متتالية من تلك الاختبارات الأولية خضعت تلك العيّنة لاختبارات إضافية من أجل المتابعة.
بعد خمسين سنة
لكن بعد 50 سنة، في العام 2018، حاول الفريق البحثي التواصل مع تلك العينة مرة أخرى، استجاب منها 1952 شخصا، ثم فحص فريق البحث مستوياتهم المادية والاجتماعية والمهنية خلال تلك الفترة، كيف تطورت؟ وما الذي وصلوا إليه في جوانب حياتهم المختلفة؟ هنا جاءت النتائج لتقول إن هؤلاء الذين أظهروا سلوكا مسؤولا في مراحل المراهقة، وكانوا أكثر التزاما في حياتهم الدراسية، كانوا كذلك أعلى أجرا مستقبلا، وامتلكوا مستويات مهنية عالية مقارنة برفاقهم، كانت تلك النتائج واضحة حتّى حينما قام فريق العمل بتنحية عوامل أخرى مثل الذكاء، وباقي القدرات الإدراكية، والخلفية الاجتماعية والاقتصادية.
بالتالي، فإن هناك بعض النشاطات التي يمكن لنا تحويلها إلى عادات مفيدة، والتي يمكن لها التأثير بقوة في مستقبلنا الحياتي والوظيفي، في الحقيقة يمكن لنا أن نتحدث عن نوعين من القدرات، الأولى نتوارثها مع جيناتنا جيلا بعد جيل ولا يمكن بسهولة تعلّمها، أما القدرات غير الإدراكية فهي شيء من الممكن تعلّمه، نظام حياة يمكن بسهولة أن تطبّقه، ولا يتطلّب الأمر قدرات معالجة منطقية إبداعية لكي نمارسه، تتضمن تلك النوعية من الخبرات نطاقات كثيرة، التفكير النقدي على سبيل المثال، ومهارات حل المشكلات، وتنظيم الوقت، والتواصل، والعمل على الصحة النفسية، والمهارات الاجتماعية عموما، وأخلاقيات العمل، والمسؤولية تجاه المجتمع، إلخ.
في تلك النقطة يتدخل التدريب لايف كوتشينج، وهو أمر مهم في كل مؤسسة تود أن تطوّر من قدرات موظفيها، أو لكل شخص توجب مهنته أن يتعامل مع الجمهور بداية من الطب إلى خدمة العملاء، في الحقيقة فإن هناك الكثير من المساقات الشهيرة، من جامعات كبيرة، لتدريب المديرين، وأخصائيي الموارد البشرية، والمدربين في الملاعب أو أيٍّ من النشاطات الرياضية، والمدرسين وأساتذة الجامعات والأطباء، وأيٍّ من المهن التي يشغلها شخص يدير مجموعة من الناس ويود تطويرهم، من أجل تحقيق أفضل تدريب ممكن لهؤلاء، يتضمّن ذلك بشكل أساسي كيفية التواصل وإنشاء حوار فعّال واستخراج أفضل النتائج الممكنة والأفكار الجديدة من خلال عصف ذهني فعّال إلى جانب الكيفية التي يمكن بها خلق حالة من الإيجابية أثناء العمل والكيفية التي يمكن أن تساعد أي فرد على التفكير بصورة منطقية، إلخ.
غالبا ما يكون هذا النوع من المساقات قصيرا وبسيطا ويحوي تكتيكات إدارية تنظيمية مع جانب سايكولوجي بسيط، إلا إذا كان ذا علاقة بتخصص في علم النفس أو الطب النفسي، لأنه يُقدَّم لكي يصنع شخصية عامة للمدرب، والذي يقوم بشكل رئيسي بالتدريب في نطاقه أيًّا كان، لكن المشكلة الأساسية التي نواجهها، وهي الأكثر انتشارا في محيطنا، وحتّى على مستوى عالمي، هي مهنة الـ لايف كوتشينج التي تتمثّل في التدريب من أجل التدريب.
يعني ذلك أن يكون شخص ما ذا وظيفة واحدة، وهي أنه مدرب، لم يعمل في أي شيء آخر، أو ربما عمل في نطاق ما لكنه لم يحقق إنجازات واضحة بحيث يمكن له التدريب فيه، ولكنه يعمل فقط في نطاق التدريب. في تلك النقطة يجب أن تبدأ في تحسس عقلك، لأنك على مسافة خطوة واحدة من الدخول إلى نطاق إحدى أهم وأشهر الصناعات في العالم كله، والتي تستنزف مليارات الدولارات من جيوب الناس، إنها “التنمية البشرية”، صناعة التحفيز.
دعنا الآن نبدأ بتوضيح ثلاث مشكلات رئيسية تتعلق بهذا النطاق الذي يُسمى بـ لايف كوتشينج الأولى يمكن أن نتعلمها من كتب مثل “فن اللامبالاة” أو “40 قاعدة للقوة” أو “العادات السبع لأكثر الناس فاعلية”، فرغم أنها كتب للتأملات بالأساس، يستخدمها البعض لكي يستلهم بعض الأفكار التي يمكن أن تفيده في الحياة، ومن المفيد للجميع بالطبع أن يتأمل الكيفية التي يتعامل بها الناجحون مع مشكلاتهم، فإن تلك الكتب تقدم مادتها كقوانين، حتّى إنها تسميها كذلك، فمثلا تجد “القانون العكسي” أو “قانون الجذب”، كما أنها تُغالي في التعريف بأهمية تلك القوانين كأنها قوانين فيزيائية ثابتة، فتصبح أكثر من مجرد فكرة جيدة يثيرها أحدهم في حوار ممتع.
فن اللامبالاة
ليس ذلك فقط، بل وينتقل الكتاب من “مجرد كتاب” إلى مساقات بآلاف الدولارات، وتمارين، وورش عمل، ومحاولات علاجية، وإقامة لمدة ثلاثة أيّام في فندق خمسة نجوم، هنا في الوطن العربي يحدث الشيء نفسه، ويضاف إليه كمٌّ رهيب من الدبلومات العادية والمصغّرة والماجستيرات العادية والمصغّرة، ومساقات للمدربين، ومدربين المدربين، وقدر واسع من الحكايات الجانبية غير ذات القيمة للحديث عن فكرة واحدة بسيطة كان يمكن تلخيصها في كلمة لمدة 25 دقيقة، بالتالي فالمشكلة الرئيسية التي توجد في مثل هذه الكتب هي الكيفية التي تُقدّم بها.
النموذج نفسه يمكن تطبيقه على حالة الـ لايف كوتشينج ، فرغم أن بعض الأفكار بسيطة للغاية ويمكن فهمها عبر القراءة من ورقة واحدة، فإن الأمر يتم مطّه بدرجة واسعة من الرغبة في أن يشبه “المساق” وفقط، وهذا لأن ما يفعله المدرب هنا هو لا شيء، فهو ليس مديرا لفريق هندسي أو طبي أو رياضي أو نفسي ما، بل هو يدرب لغرض التدريب، بدون أي قاعدة عملية أو علمية، وهو غير متخصص في نطاق بعينه ولكنه فقط “يدرب الناس”، ما المؤهلات التي تسمح لشخص ما بتدريب الناس على أن تكون حياتهم في العموم أفضل؟ لا نعرف في الحقيقة، يمكن لمتخصص في علم النفس الإيجابي أن يعطينا إجابة صلبة لهذا السؤال، وهناك بالفعل نتائج رصينة لهذا النطاق البحثي، لكن هؤلاء ليسوا حتّى متخصصي علم نفس إيجابي.
من جهة أخرى، المشكلة الثانية هي أن هذا التدريب من أجل التدريب يفتح الباب -بشكل يمكن أن نقول إنه حتمي ولن نخسر الكثير- أمام كل العلوم الزائفة المعروفة للدخول إلى أرض الملعب وفرض نفسها أمام المتدربين كقوانين “علمية” بالصورة نفسها التي تضعها الكتب التي تحدثنا عنها قبل قليل، لفهم ذلك لن نحتاج إلى أن نذهب بعيدا، لنتحدث عن أشهر رجال الـ “لايف كوتشينج” على مستوى العالم كله، إنه توني روبينز، الـ “لايف كوتش” الكبير الذي يصل ثمن تذكرة تدريبه السنوي إلى 500 دولار لليوم الواحد مع وعد باجتياز التجربة الأكثر غرابة في حياتك، وهي السير على الفحم المشتعل حتّى ألف درجة مئوية بينما تملأ دماغك بأفكار إيجابية، لكن ما نعرفه هو أن الأمر لا علاقة له بالأفكار الإيجابية، ما نعرفه هو أن الفحم، ببساطة، موصّل رديء للحرارة.
روبينز يتحدث دائما في ورش عمله عن أسباب الفشل بالحياة، ولِمَ لا نتمكّن بسهولة من اتخاذ قراراتنا الصعبة، معرفا نفسه بأنه “رجل إيجاد الأسباب” الذي يعتقد أن مشاعرنا هي ما يقودنا لاتخاذ قراراتنا وأنه اكتشف ذلك عبر مختبر خاص به يسأل الناس “لِمَ يفعلون ما يفعلون؟”، في الحقيقة قد تتعجب حينما تجد روبنز -في الكثير من الأحيان- يتحدث عن الكيفية التي تمكّن من خلالها، عبر التحفيز، أن يُثني الكثير من المرضى عن أفكارهم الانتحارية.
طوفان العلوم الزائفة و لايف كوتشينج
في تلك النقطة دعنا نتأمل معا أحد الادعاءات الشهيرة لهذا النوع من التدريب، فغالبا ما يعرّف “اللايف كوتش” نفسه على أنه ليس معالجا نفسيا ولا مستشار عمل، بمعنى أنه لا يعالج أمراضا ولا يتدخل بأي تقنيات علاجية، الـ “CBT” (العلاج المعرفي السلوكي) على سبيل المثال، من أجل التعامل مع الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب مثلا، كذلك فهو لا يقدم نصائح وظيفية يحدد من خلالها اختياراتك القادمة في العمل، وهو بذلك ينحّي نفسه عن أي مسؤولية علمية أو طبية أو حتّى وظيفية.
لكن على الرغم من ذلك، فإن الأمر لا يخلو من تلك الأشياء التي يدعوها البعض بـ “التقنيات” الفعّالة من أجل تدريب جيد، وهنا نتحدث عن التدخل الرئيسي لما يُسمى بـ “البرمجة اللغوية العصبية”، وعلوم الطاقة والتأمل وقانون الجذب، وهي أمور يكتب فيها روبنز ورفاقه من المدربين مثل بوب بروكتور وغيرهم بشكل دائم ومستمر ويدرّبون الناس عليها على أنها الشيء الوحيد الذي يمكن له أن يغيّر حياتهم، وحتّى حينما لا يكون المدرب مهتما بالأساس أن يعمل على تعريف الناس بتلك العلوم الزائفة، فإنه لا شك يستخدم بعضا من تقنياتها أثناء التدريب، وما نعرفه هو أن جميعها علوم زائفة، لا توجد أي دلائل بحثية على صحتها ولا تجيز أي هيئة رسمية استخدامها للعلاج أو غيره.
أضف إلى ذلك كله نقطة مهمة، حينما نحاول صناعة دواء جديد فنحن نحتاج إلى مدة ثلاث إلى ست سنوات من البحث العلمي وتطويره حول اختيار المادة الفعالة من بين آلاف أخرى يمكن أن تخدم الهدف نفسه، ثم تحديد أي تلك المواد سوف نبدأ باستخدامه في التجارب الأولية، بعد ذلك سوف نحتاج إلى مدة تقترب من العام من أجل عمل الاختبارات الكيميائية الأولية والتجريب على الحيوانات، يحتاج التجريب الحذر على البشر إلى نحو سبع سنوات، ونحتاج بعد إطلاق الدواء إلى سنتين من أجل رصد تطور استجابة البشر لهذا الدواء، ما يعني أن مادة فعّالة واحدة، كالباراسيتامول الموجود في قرصي بنادول، تحتاج إلى ما يقرب من عشر سنوات لكي تصل إلى يديك.
في المقابل من ذلك، لا يحتاج “المدرب” الذي يستخدم أيًّا من تلك العلوم الزائفة مثل لايف كوتشينج في بعض المساقات إلا ورقة علمية واحدة غير مؤكدة ليقول لك إن تمرينا ما سوف يعالج الاكتئاب الذي عانيت منه على مدى سنوات ثلاث، هنا يجب التوقف قليلا لتأكيد أن التأمل -على سبيل المثال- أمر مفيد، يثبت العلم ذلك كل يوم بشكل أكبر، لكن مشكلتنا مع التحويل المباشر من قراءة إحصائية سريعة ما ظهرت في ورقة علمية ما -بدون أي رقابة أو تجريب حقيقي على مرضى أو حتى سماح قانوني- إلى جرعات علاجية تتخصص في حالة مرضية ما.
ثورة التحفيز
يحدث ذلك لسبب واحد، وهو أن الـ لايف كوتشينج لغرض الـ “كوتشينج” لا بد أنه سيتلامس في مرحلة ما مع نطاق علم النفس والطب النفسي، حينما تقرأ عن مساق تدريبي ما لا بد أنك ستجد إشارات إلى موضوعات مثل “كيف تصبح أفضل؟”، و”كيف تنشئ علاقات فعّالة؟”، بل ويصل الأمر إلى “كيف تربي أطفالك المراهقين؟”، ألا يحتاج ذلك إلى متخصص؟ قد نتقبل الأمر من مُعالج نفسي، على سبيل المثال، تلقى تدريبا إضافيا في كيفية التعامل مع الجمهور في المساقات وتوجيههم لفهم المعلومة بشكل أفضل، لكن ماذا عن شخص يتخصص فقط في التدريب؟
حينما يكون المدرب غير متخصص في نطاق علم النفس، سيكون المقابل هو أن تتسرب العلوم الزائفة إلى نطاق عمله، لكن الأسوأ هو أن ذلك يتشابك مع المشكلة الثالثة التي تواجه الـ “لايف كوتشينج”، وهي لغة التحفيز، لأن التدريب -في نطاق التدريب من أجل التدريب- لا بد أنه سيعتمد على الترويج لأفكار تتميز بأنها مُلهمة وأنها قادرة على جعل حياتك أفضل، بالتأكيد لن يتقدّم ليشرح لك أيًّا من الأمور المتعلقة بـ “علم نفس اللذة” أو تجارب دانيال كانيمان على مدى عقود.
لفهم ذلك دعنا نقارن بين محاضرة في مساق لايف كوتشينج وأخرى “معرفية” بنطاق علم النفس الإيجابي بأي جامعة تعرفها، الفارق الأكثر أهمية يتعلّق بسؤال بسيط: ما النقطة التي تستحق التركيز عليها؟ في المحاضرة المعرفية تكون تلك النقطة هي “المعلومة” نفسها، أما في محاضرات التحفيز فإن التركيز بالأساس يكون على الطريقة التي من خلالها يتم توصيل المعلومة للجمهور، لكن ذلك بدوره يدفع بمصمم “المساق” للتخلّي عن دقة وصلابة المعلومة من أجل جعلها ممتعة ومحفزة.
التحفيز جيد، لكن في النهاية يجب أن يتوافق تفاؤلنا مع درجة تعقّد العالم، وإلا سنواجه صدمة عنيفة حينما لا نتمكّن بسهولة من تحقيق أيٍّ من تلك الأحلام المفرطة في التفاؤل. بمعنى أوضح، قد تتصور للوهلة الأولى أن التحفيز يدفعك للفعل والإنجاز، لكن هل يفعل ذلك؟ في الكثير من الأحيان يدفعك التحفيز لتصوّر خاطئ عن “حدود” قدراتك، تلك التي ترتفع بها للسماء، مع تصوّر خاطئ آخر عن درجة “صعوبة” العالم نفسه، فتظن أن كل شيء ممكن، ما قد يصدمك في كل مواجهة مباشرة مع هذا الواقع، ونتحدث هنا عن ثلاثة أيام فقط بعد مساق التدريب، بعد ذلك سوف تبدأ في الشعور بما يشبه أعراض الانسحاب، ستشعر أنك بحاجة إلى محاضرة جديدة أو مساق جديد لتحفيزك، في تلك النقطة يتحوّل التحفيز إلى مخدر، فيصبح كل ما تفعله هو أن تخرج من محاضرة تحفيزية إلى محاضرة تحفيزية أخرى.
الصديق المعاصر!
من جهة أخرى، فإن هناك نقطة أخيرة تتعلق بهذا النطاق الذي يُدعى بالـ لايف كوتشينج، ونقصد هنا تحديدا المدرب الشخصي الذي يعمل مع شخص واحد فقط، عادة ما يكون رائد أعمال كبيرا أو ممثلا أو رياضيا ما، في تلك النقطة فإن شخصا في تلك الوظيفة سيهدف إلى ثلاثة أشياء أساسية، الأول هو الاستماع الفعّال، أي أن يُنصت إلى ما تقول، ويستخدم الأسئلة التي تفتح المزيد من الموضوعات من أجل دفعك للكلام واستخلاص المعلومات، والثاني هو أنه لا يتحدث عن الماضي ولا عن المستقبل، بل يوجّه خط سير الكلام إلى منطقة واحدة وهي ما يمكن أن نفعله في الحاضر، والثالثة -بالتبعية- هي دفعك لمحاولة إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهك الآن، لا يمكن له أن يقبل بأن تستمر كثيرا في النحيب على ما حصل، بل سيضطر فورا إلى توجيهك إلى ناحية إيجابية.
لكن، أليس هذا هو دور الأصدقاء؟ بمعنى أوضح، لايف كوتشينج هنا هو شخص غير متخصص، ليس نفسانيا ولا طبيبا ولا مدير شركة سابقا قدّم نجاحا باهرا، وهو كذلك شخص يود أن ينصت إليك، وبما أنه لا يخوض مشكلتك وبالتالي يمكن له أن يفكر فيها بدرجة من الحيادية فسوف يساعدك على رؤية جوانب للمشكلة لا تراها، وهو أيضا شخص اجتماعي يمكن له التواصل مع الآخرين بدرجة جيدة، أليس ما سبق هو تعريف الصديق؟ هل يمكن أن نتصور وجود مهنة كتلك على أنه بديل للأصدقاء مقابل “نقود” في العالم المعاصر؟!
لا نعرف في الحقيقة، لكن ما نعرفه هو أن الانتشار الكبير لهذا النمط من التدريبات غير علمي، وأن التحفيز بتلك الصورة غير مفيد، قد تجلس لتستمع إلى زوكربيرغ أو بيل جيتس أو إيلون ماسك أو أحمد زويل يتحدث عن كيفية مواجهة المشكلات، سيحفّزك ذلك وسوف تستفيد منه، فهو إنسان ذو خبرة واسعة في مجاله، لكن ماذا عن شخص وظيفته هي التحفيز؟ لم يُنجز شيئا عظيما ولم يتدرب لمهنة بعينها ويقف أمامك ليتحدث في أمور تتعلق بنجاحك ونجاح أطفالك في الحياة؟ كيف يمكن أن تصدق ما يقول؟
في النهاية، يمكن القول إن أسوأ تصوراتنا هي أن النجاح في الحياة والوصول إلى الثروة والمكانة هو سر غامض يعرفه قلة فقط من الناس، يقتات الكثيرون على تلك الخرافة، كلنا نعرف أن بذل الجهد هو السر، لكننا أكثر كسلا من أن ندرك ذلك في الوقت المناسب، فنسيح في الأرض لنتجول بين محاضرات التحفيز ومساقات لايف كوتشينج , بينما كان من الممكن أن نفعل شيئا آخر، وهو أن نعمل على ما يقع تحت أيدينا الآن، ونستمر في العمل والتطوير من أجل تحسين حياتنا.
المصدر: