فن الإغواء ! The Art of Seduction

نعود للكتب وهذه المرة مع كتاب فن الإغواء .. The Art of Seduction وقد اشتقنا للتحليل والغوص بأعماق الأفكار المبتكرة .. واليوم انتقيت كتاب قد يكون من أخطر الكتب التي قرأتها وقد ترددت كثيرا في تناوله وتحليله ,لكن وجدت أن فائدة طرح افكاره تفوق فائدة الاحجام عنه وخاصة في هذه الظروف التي نعيشها وتطلب منا وعيا وادراكا بشكل كبير .. أيً يكن .. سنطرح الكتاب ونحاول أن نفهم أفكاره فنتجنب الشيطاني منها ونستعين بالأخلاقي لدعم وتفعيل درجات الوعي لدينا ..

في هذا المقال سنكون مع أحد أكثر الكتاب العباقرة جدلية .. هذا الكاتب قال عنه أحد النقاد جملة غريبة لكنها حقيقية .. قال ( أحذر هذا الكاتب لأن بمقدوره أن يسلمك من يدك للشيطان ! ) .. نحن اليوم سنكون بحضرة الكتاب الشهير الخطير .. فن الأغواء The Art of Seduction .. للمؤلف العبقري .. الكاتب المختص بفنون القوة والسلطة .. مؤلف الكتاب الاقوى ( قواعد السلطة الاربعون ) .. الكاتب روبرت غرين !

عزيزي القارئ سأحاول أن أبسط وألخص لك نحو 700 صفحة من الافكار الشريرة الشيطانية في مقال صغير جدا ,وسنقلب هذه الأفكار لنجعلها أخلاقية نستفيد منها في حياتنا ! .. بقي أن نقول أن الكتاب متاح مجانا في المكتبات الالكترونية وقد ترجمه للعربية الاستاذ الفاضل منير سليمان جزاه الله كل خير عنا .. والأن لنبدأ ..

فكرة الكتاب باختصار تتلخص في أننا جميعا يمارس علينا نوع من أنواع الاغواء والذي يهدف الى السيطرة علينا باعتبارنا سلعة يجب أن يستفاد منها الاخرون ,وبشكل أدق ,فإن الكاتب روبرت غرين يحاول في هذا الكتاب أن يعلمك طرق الاغواء لتمارسها في حياتك سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية ,لكن تذكر عزيزي القارئ .. نحن لا نريد أغواء الاخرين بل نريد أن نتعلم كيف يمارس علينا هذا الاغواء لنتجنبه ونبعد عنه !

سواء كان الاغواء يتجه لفرد أو لجماعة تريد السيطرة عليهم فأنت بحاجة اتقان فن الاغواء وفهمه لتحد من تأثيره عليك ,ويفصل روبرت غرين ذلك في كتابه عبر قسمين .. الاول استعراض اشكال الشخصيات التي تمارس الاغواء ,والقسم الثاني عبر استعراض وشرح الطرق التي تستعملها لتسيطر على الاخرين وتستفاد منهم عبر ممارسة العملية الاغوائية عليهم كما سنوضح !

يحاول غرين أن يشرح أن فن الإغواء لايتطلب أن تستنبط أو تخترع ولا أن تخلق شيئاً من لاشيء وإنما أن تكتشف ماهو موجود أساساً وتستفيد منه. وأن الفرق مابين المغوي وغير المغوي كالفرق بين الألماس والفحم, كلاهما مكون من نفس المادة، ذرات الكربون، لكن الألماس ترتبت ذراته بطريقة مختلفة عن الفحم وتبلورت.

هذا الكتاب سيساعدك على إعادة ترتيب مكوناتك النفسية وعلى إجراء عملية التبلور هذه، كي تتزين بالألماس أمام الناس وينجلي عنك مايعلوك من الغبار والفحم، ويقول غرين في ذلك ( الإغواء كالجاذبية, كلنا نخضع لتأثيرها ونعمل وفقاً لقانونها، أدركنا ذلك أم لم ندرك ! )

يدرج البعض هذا الكتاب ضمن فئة التنمية البشرية لكن عندما قرأته صنفته بشكل فوري في فئة كتب علم النفس لانه يدرس الخصائص والصفات الإغوائية لدى الأشخاص، وماهي التكتيكات والتصرفات التي تزيد من جاذبية وإغوائية الشخص ويعطي أفكار مدروسة ودقيقة لتسيطر على من حولك وتحولهم لمنافع لك !

نستعرض بشكل سريع الشخصيات الرئيسية التي تمارس فن الإغواء على الاخرين حسب تصنيف روبرت غرين .. وقد تكون هذه الشخصية مرأة أو رجل ..

العاشق المثالي ( The ideal lover ) .. هذه الشخصية تتواجد في نطاق الحياة الاجتماعية ولكنها تبرع في المجال السياسي أكثر .. وتتمتع بقدرة على اقناعك بأنها شخصية مثالية وتقدم لك كل الحب والدعم وتؤثرك على نفسها ,ولدى أصحاب هذه الشخصية القدرة العجيبة في أن يمنحوك الأمل والسعادة في مختلف الأوقات ,كما أن تواصلك معهم دائما ما يكون محبب لديك !

الشخصية المدهشة ( The Dandy ) .. هذه الشخصية تتمتع بالقدرة على جذب الأخرين عبر اهتمامها بتفاصيل شكلها وايضا لانها تقوم بأفعال عادة ما تناقض المألوف في المجتمع ,وتستطيع أن تسيطر على الأخرين عبر مجال تلك الأفعال التي تشكل ببساطة نمطها اليومي في الحياة الذي يكون مبهر للاخرين من عشاق التمرد !

الشخصية الطبيعية ( The Natural ) .. يصنف روبرت غرين هذه الشخصية بأنها الأخطر من بين الشخصيات المغوية ,حيث أن هذا الشخص يمارس الاغواء عبر شخصية طبيعية وطيبة ونقية السريرة للغاية لدرجة تشبيهها بنفسية الأطفال .. لكن كل ذلك مجرد غلاف يتم استخدامه لاقناع الاخرين بالطيبة الطبيعية للسيطرة عليهم ,وأغلب السياسيين والقادة ورجال الدين يستخدمون تلك الشخصية لاغواء العامة !

الشخصية المغناجية ( The Coquette ) .. يصنف روبرت غرين هذه الشخصية ضمن الشخصيات السياسية لان وجودها في المجال السياسي اكبر من المجال الفردي الاجتماعي ,وهي ببساطة شخصية ناجحة في اغواء الاخرين عبر ترك أثر ايجابي دائم لديهم يدفعهم الى البقاء في فلكها ,ولدى هذه الشخصية القدرة على تشكيل العاطفة لديك من مجرد احداث بسيطة !

الشخصية الساحرة ( The Charmer ) .. هذه الشخصية تعتمد على الابهار البصري والحسي للسيطرة عليك ,تتجلى هذه الشخصية بالسياسيين ومن يماثلهم والذين يصورون لك أي أمر بصورة وردية وجميلة وهم بارعون في الاستفادة من نقاط ضعفك وتسخيرها للسيطرة عليك !

الشخصية الكاريزمية ( The charismatic ) .. هذه الشخصية تستغوي الناس عبر وجود جملة من الافعال المتناقضة في شخصيتها يرافقها الغموض وتسليط الضوء على النجاحات الخاصة بشكل مستمر حتى لو بالكذب واختراع المواقف ,وأكثر هذه الشخصيات نجدها في عالم السياسة.

الشخصية المشهورة ( The Star ) .. تجذبك هذه الشخصية عبر طريقة حياة الشهرة التي تشعر أن صاحبها يعيشها بشكل مناقض لحياتك الرتيبة الخالية من الاحداث ,اصحاب الشخصية المشهورة دائما ما ينسجون حولهم حياة مثيرة لاهتمام الاخرين وتشعر كأنهم نجوم مجتمع !

هذه الشخصيات الرئيسية لدى روبرت غرين التي تقوم تمتهن فن الإغواء للأخرين, وقد تكون شخصيتك قريبة من أحداها ,لكن بالمقابل فإن غرين يؤكد أن هناك شخصية لا يمكن أن تقوم بدور الاغواء ,وهي الشخصية الغير صالحة للإغواء ويسميها The Anti -Seducer ,وصفات هذه الشخصية أنها غير واثقة بنفسها ,كثيرة الجدل مع الاخرين ,متصلبة برأيها ,عنيدة ,منعزلة ,ولا تتمتع بالوعي الذاتي ( Self Awareness ) وهو الوعي الذي نقوم به في الحياة خلال سلوكنا مع الاخرين ,كأن نعرف متى تكون مواضيعنا مملة فنتوقف عن الكلام بها ,أو عندما يكون حضورنا غير مرغوب به .. متى نضحك ومتى نغضب ومتى نوقف النقاش .. الخ, يمكن أن نسميها في مجتمعاتنا بالشخص ( المذوق ).

يقول غرين أنك اذا كنت من ضمن هذه الشخصيات السبعة التي تتمتع بالقدرة على فن الإغواء فأنت بحاجة أن تتقن عملية الاغواء ( Seductive Process ) والتي تنقسم الى أربع مراحل ..

وتكون عبر الاقتراب من الضحية واثارة اهتمامها بوجودك أو جعل نفسك شخص مهم بالنسبة لها, ويشرح غرين أنه يمكنك أن تقوم بذلك عبر ( الاقتراب غير المباشر ) وقد حذر من أن تقحم نفسك في حياة الاخرين لان ذلك ينفرهم منك ,وقدم غرين مثال وهو ( الصيد ) وقال أن الشخص الذي يمارس الاغواء كالصياد الماهر الذي يقترب بشكل غير مباشر من فريسته ويمنحها الأمان حتى تأتي اللحظة المناسبة لاصطيادها.

ويقول غرين أن الشخصيات السياسية والقادة عموما يلجؤون لهذه العملية لإغواء الجماهير وذلك عبر منحهم شعور الامان حتى يسيطروا عليهم تماما.

وايضا ضمن عملية اثارة الرغبة والاهتمام عليك أن تقوم بإرسال رسائل متضاربة لمن تريد السيطرة عليه عن نفسك ,فحاول أن تظهر بعض التناقض والتضارب بشخصيتك وصفاتك لان الغموض يجذب الاخرين لمعرفتك أكثر !

والخطوة الاخيرة في اثارة الاهتمام والرغبة تتمثل بأن تقتحم بطريقة ذكية حياة وأفكار الضحية ,لكل منا خصوصيات وأفكار ومبادئ معينة ,حاول أن تدخل لهذه الخصوصيات وأن تجعل منها مساحة مشتركة مع الضحية لتمنح نفسك فرصة مشاركته هذه الافكار الخاصة ,فنحن البشر ننجذب كثيرا لمن يؤيدنا في افكارنا وطروحاتنا !

هناك عدة خطوات لإتمام هذه المرحلة الهامة من الاغواء ,وتتمثل الخطوة الأولى باستخدام كلمات مؤثرة للعب على مشاعر الضحية ,والابتعاد عن استخدام الكلام المألوف ,وقال غرين أن هذا ما يلجأ إليه السياسيين عند توجيههم خطابا الى عامة الشعب ,فيكون الخطاب مليء بالكلمات الاغوائية التي تلعب على مشاعرهم, و وجد علماء النفس أن الناس دائما ما تميل لمن يخاطبهم بكلمات يستلطفونها ويتحمسون لها وتثير جوانب معينة بهم, كالخطاب الديني أو الاخلاقي على سبيل المثال !

الخطوة الثانية تتمثل بالحالة العاطفية ,بأن تجعل حضورك مريحا للضحية وعند تواصلك تشعر الضحية بالراحة ,وبنفس الوقت يقول غرين أن عليك أن لا تكون موجودا بشكل دائم عند الطلب ,لان محترف الاغواء يجعل ضحيته بحالة حاجة دائمة له !

أما الخطوة الثالثة فتتمثل بأن تعزل الضحية ,حاول أن تعزل ضحيتك عن من حولها من أهل أو أقارب أو اصدقاء أو حتى أفكار ومعتقدات ,حاول دائما أن تشكل لها أنواع جديدة من البيئات التشاركية والنفسية والمعرفية ,فكل ما كانت ضحيتك معزولة أكثر عن محيطها ,كل ما كان أمر السيطرة عليها وأغواءها أسهل !

وايضا تنقسم لثلاث خطوات رئيسية تبدأ بخطوة ( اثبت نفسك لضحيتك ) وذلك بأن تساعدها بشكل يفوق تصورها ولو بالشكل المعنوي ,وثاني خطوة ( العودة للطفولة والصبا ) فطبيعتنا دائما ترنو الى تلك المراحل وبالتالي عند مشاركتك لضحيتك بسرد تلك المراحل تخلق لديها الثقة وعمق التأثير من حيث العاطفة, أما الخطوة الاخيرة فتتمثل بأن تمزج الالم مع المعاناة ,فتظهر شخصيتك للضحية بأنها الجلاد والمنقذ بنفس الوقت ,أنت يجب أن تكون قاسيا ,وان تفهم الضحية أن ذلك لمصلحتها ,وبنفس الوقت يجب ان تكون حنونا وتظن الضحية أنك الملاذ الوحيد لها !

يتضح من العنوان مضمون هذه المرحلة ,وهي تتويج لكل ما سبق ذكره ,هذه اللحظة التي يفترس بها المغوي لضحيته بحيث تفقد كل قدرة على المقاومة أو كما قال غرين ( القدرة على ادراك انها ضحية إغواء ! )

وقد تستغرب عزيزي القارئ بأن فكرة فن الإغواء خاصة بالجنس اللطيف ( النساء ) لان الرجل عبر التاريخ كان يستخدم القوة الجسدية للسيطرة ,لكن المرأة كانت تستخدم ما يسمى ( القوة الناعمة ) أو كما وصفها غرين ( قوة الاغواء ) للسيطرة على ضحيتها ,ومع تقدم الحياة ,أدرك الرجل أن القوة الجسدية لم تعد صالحة لوحدها للسيطرة والقوة ,وأنه لابد من الاستعانة بالقوة الناعمة ,وخاصة كما اسلفنا بعالم السياسة والقادة وعلاقتهم مع الشعوب وكيفية اغواءهم لجعلهم أدوات في مشروعهم !

كالعادة من الصعب تلخيص كتاب بهذا الحجم ككتاب فن الإغواء الهائل من الافكار ضمن مقال وأن يكون خاليا من كل تعقيد ,لكن أحسب أني وفقت لإيصال الفكرة الرئيسية ,وما أريد ذكره ,أنني اخترت هذا الكتاب الممتع في هذا الوقت ,لأننا بحاجة أن نفهم أمورا كثيرة تطرح أمامنا يوميا بحالات إغوائية ونحن لا نتفطن لها ونتعامل معها بفطرتنا البسيطة دون التعمق في أهدافها الدنيئة ,كما قلت في بعض الطروحات التي تقدم بقالب جذاب أخلاقي أو ديني أو وطني ,فيما أن المضمون معاكس لتلك الصور الوردية التي يمارسها من يريد إغوائنا !

الجدير ذكره أن هذا الكتاب خطير جدا ,وهو بلا شك يعلمك مسالك الاحتيال والسيطرة على الاخرين وقد لاقى نجاحات وشهادات عالمية كبيرة ,وأنا طرحته كي تفهموا وتتبصروا بطبيعة الشخصية التي تمارس الاغواء ,لا لكي تتعلموا ( كار الاغواء ) .. بالتالي هذا علم يحمل الخير والشر ,وكلي أمل أن تستفيدوا من الكتاب في الخير وبناء العقول والثقافة وتشكيل جدران الحماية العقلية لكل دخيل عليكم .وأحذروا كل الحذر .. ! وكما يقول روبرت غرين .. ( لا شك أن الاغواء نوع من الخداع ,لكن الناس يتوقون للاشخاص الذين يخدعونهم ! )