ثقافة عامة

سيد مكاوي ,شيخ الملحنين والنموذج الفريد في الفن

من منا لم يسمع بالموسيقار الكبير الراحل سيد مكاوي ؟ لكن هناك الكثير منا يجهلون للاسف الكثير عن هذه القامة الفنية الكبيرة ,والانسانية العظيمة ,كيف انسان يأتي من بيئة الفقر وهو مصاب بالعمى وينجح ان يكون ابرز ملحني عصره ,وان يكون متصالح مع كل الدنيا وعندما يموت لا يوجد له عدو واحد يحقد عليه !

بقلم المحامي : هادي بازغلان


سيد مكاوي ,وابنته أميرة عند وفاته !

(( عاد من مستشفى الشرطة بالعجوزة لينام في غرفتي لكي يرحل من مكاني لا من مكانه, خرجتُ من الغرفة فوجدتهم في عالَم آخر، منهم من ينتحب ومنهم يبكي ومن يُجرِي مجموعة من الاتصالات, ناس رايحه وناس جايه و زيطة وزمبلبيطه في الصالون، وأنا لا أبكي، وأطمْئِنُ الجميع أنه بخير، حاولت إقناعهم أنه تناول إفطاره وصلّى الفجر قبل أن تذهب روحه إلى بارئها، وأن هذه علامة طيبة، كما أنه عائد لتوّه من الحج … والجميع ينظر إلى تلك البلهاء الصغيرة في الخبرة والسنّ ويتعجّب مما تقول، بل إن بعضهن بدأ في إعطائي التعليمات الواجبة في مثل هذه الظروف: يجب أن لا أجيب على الهاتف , أن لا ابتسم في وجه أحد, أن اجلس في مكان واحد, وسمعت صوت حد بيقول لي كفاية تطمّني الناس، المفروض هما اللي ييجوا يطمّنوكي !

( عدت إليه وهو مسجى في كفنه الابيض في غرفتي وقلت له: “اطمّن”، وحكيت له بالتفصيل ما يحدث في الخارج, كما كان يطلب مني دائما ويقول .. قومي شوفي لنا الدنيا بره إيه حكايتها وتعالي قولي لي ! )

في 21 نيسان من عام 1997 رحل شيخ الملحنين سيد مكاوي عن عالمنا ,وما سبق ,كان وصف لابنته أميرة في مشهد وفاته في غرفتها ,وكأي بنت في الخامسة والعشرين من ربيع حياتها ,يرفض عقلها فكرة رحيل والدها , فكتبت ( 27 سنة والفقد بيكبر .. عذرا .. أنا لا أؤمن بإحياء ذكرى الغياب ! )

أقرأ أكثر:

Sayed Makkaoui سيد مكاوى | استماع على أنغامي
يقول سيد مكاوي انا مدين للناس بأي نجاح وصلت له , أنا مدين للناس في تعليمي الموسيقى لان من كتر ما بحبهم قدرت افهم بيحبوا ايه وما يحبوش ايه ,وده بيبقى واضح في الحاني اللي بعملها واقدر افهم الناس بتجتمع على ايه ,فربنا بيوفقني اني اقدر اعمل لحن بيوقع في قلب كل انسان

نشأة وحياة سيد مكاوي

لنعود للوراء ,ولعام 1928 تحديدا ,العام الذي شهد مولد أحد أكبر ملحني مصر والعالم بأسره ,ولد سيد مكاوي في القاهرة لاسرة فقيرة شبه معدمة ولديه 5 أخوة وهو أكبرهم ,وبعد وفاة والده بفترة بسيطة ,اصيب الطفل بالتهابات في عينيه ولم تستطع والدته أن تدفع أجور الاطباء لعلاجهم ,فذهب للطب الشعبي والاعشاب والذي أدى بوصفاته الخاطئة ان يصاب سيد بالعمى وهو طفل صغير , الدنيا لا تقف بمصائبها هنا ,فبعد فقدان المعيل الأب وجد سيد نفسه مضطرا ( رغم اصابته بالعمى ) أن يعمل ليعيل اسرته !

عمل سيد في المسجد وكان يؤذن ويساعد في أعمال المسجد ويصرف على أخوته ,الامر الذي حرمه من دخول المدرسة ,وكان يسمع للمنشدين في المسجد ويحاول أن يتعلم منهم اصول الانشاد ,وهو في عمر الطفولة ,كان سيد ذكي جدا وسريع الحفظ ,لدرجة أن حفظ القرآن الكريم ,وعشرات الاناشيد الدينية والموشحات من أول مرة سمعها !

شغفه للموسيقى جعله يشتري اسطوانات قديمة باسعار زهيدة لمطربي عصره كسيد درويش وزكريا احمد وغيرهم ويحاول ان يغني هذه الاغاني وان يركز في ألحانها ,وبدأ يتعلم التلحين مع صديقيه الشقيقين إسماعيل ومحمود رأفت في سن الشباب ,نجح مكاوي في ان يعيد تلحين وغناء بعض هذه الموشحات وشكل فرقة مع الاخوين رأفت وقاموا بأحياء بعض الأمسيات والمناسبات المتعلقة بأهل الحي والاصدقاء.

وتقدم سيد مكاوي الى اذاعة القاهرة أملا في أن يغني ,لكنه رفض أكثر من مرة ,الا ان جاءت الفرصة وسمحوا له بغناء لمدة ربع ساعة في الاسبوع فقط ! .. استغلها سيد مكاوي وغنى اغنيتين ( محمد ) ( تونس الخضراء ) ,وهما الاغنيتان الوحيدتان الذي غناهما من غير ألحانه عبر دربه الطويل في الفن !

بعد ذلك بعشرات السنين ,وفي مقابلة مع الصحفي مفيد فوزي ,قال سيد مكاوي انه في بداية مشواره قال له احدهم في إذاعة القاهرة .. ( الناس اللي بيشوفوا بعنين مش فالحين عشان تفلح انت ! )

سيد مكاوي... العبقرية الخالدة فِي عالم الموسيقى
ولد سيد مكاوي في القاهرة لاسرة فقيرة شبه معدمة ولديه 5 أخوة وهو أكبرهم

الاصرار والارادة صنعت سيد مكاوي

لم تثني هذه الكلمات سيد مكاوي عن متابعة حلمه ,وفي ذلك قالت ابنته اميرة ( كان ابو السيد يعيش الحياة ويتعامل معها بخفة ! ) .. وتابعت قائلة ( ليس من السهل فقدان حد زي ابو السيد ,الذكريات مع مرور الوقت بتموت لكن مع ابو السيد بتزهر كل يوم ,الفقد مع الايام بيمنع عنك الدموع والانهيار ,لكن ما قدرش يحسسني يوم أني مش بحاجة ابو السيد ! )

انطلق سيد مكاوي بعدها بعالم التلحين ,وأسس مدرسته الخاصة التي وصفت بأنها دمج بين مدرسة سيد درويش ومدرسة زكريا أحمد ,وبدون الغوص في التفاصيل الموجودة في كل مكان ,قدم سيد مكاوي مئات الالحان والاوبريات والمسرح والاغاني لكبار المطربين في عصره مثل ام كلثوم و وردة وشادية وشريفة فاضل وعزيزة جلال وغيرهم الكثير ,وكان عبقريا سابق لزمانه ,لدرجة انه قدم الحان لبرنامج ( المسحراتي ) وعزفها بنفسه على الطبلة فقط بعد ان كان البرنامج يستخدم فرقة كاملة للعزف !

قصة سيد مكاوي مع اغنيه وحياتك يا حبيبي

في عام 1983 ,اجتمع سيد مكاوي مع صديقه الشاعر حسين السيد ,والذي القى امامه قصيدة كما كان يفعل دائما عندما يلتقيان ,لكن هذه القصيدة لم تكن كباقي القصائد ,حفظها سيد مكاوي من أول إلقاء ,وانشغل بها لدرجة كبيرة وعجيبة ,واعتكف لتلحين كلماتها عام ونصف العام , وكان محتار بأي مقام غنائي يلحن القصيدة !

وفي عام 1984 ,وفي صمت غريب غير معتاد عندما يترافق مع اطلاق اغنية جديدة ,ولدت الاغنية الاكثر جاذبية في الوطن العربي ,بدون أدنى مبالغة نقول انها الاكثر جاذبية لدرجة أنها الاغنية التي وصفت بكونها ( أغنية الجميع ! ) فلم تكن خاصة بمطرب معين كما هي العادة عند تلحين أي أغنية !

في عام 1984,ولدت رائعة حسين السيد وخالدة سيد مكاوي .. ما تفوتنيش أنا وحدي !

( وحياتك يا حبيبي .. ريح قلبي معاك .. غلب الحب معاي وتعب .. وتعب الشوق وياك .. ما تفوتنيش أنا وحدي .. ما تفوتنيش أنا وحدي افضل احايل فيك .. ما تخليش الدنيا تلعب بيا وبيك .. خلي شوية علي وشوية عليك .. وشوية عليك )

والغريب أن هذه الاغنية لم تلقى أي شهرة عند ولادتها .. ببساطة لانها ولدت دون مطرب يغنيها ! .. اغنية ما تفوتنيش انا وحدي لم تلحن لشخص مطرب معين ,وأول من غناها كان المطرب عماد عبد الحليم في فيلم ,لكنه فشل في اشهارها ولم يذكرها أحد ,حاولت بعدها المطربة مها صبري أن تشهر هذه الاغنية ,لكن بلا جدوى , وكل المحاولات الاخرى باءت بالفشل ,وبقيت الاغنية مهمشة ولا أحد يسمعها أو يرددها !!

سيد مكاوي صانع البهجة".. مسيرة "مسحراتي الشعب" في كتاب جديد
سيد مكاوي وام كلثوم

سيد مكاوي وطريقة مواجهته الحياة الصعبة

من غير المفهوم كل ما جرى ,الامر غريب فعلا .. لكنه لم يشكل اي صدمة أو اكتئاب لسيد مكاوي الذي كان يرى في الدنيا كل ما هو جميل وفرح كما قالت اميرة عن والدها ..

( كان يتعامل مع الحياة بخفة رغم أنه كل ظروفه الصحية ,لم يعش حالة الاسى بتاعت فقد البصر ,لكن كان مستقبل الحياة بروح خفيفة وكان بيتريق علينا لما النور يقطع ويقول جتلي الفرصة عشان أوريكم تمشوا إزاي في الظلمة ! )

وهو نفسه ,وبكل تواضع بعد هذه المسيرة الفنية الحافلة ,قال في احدى مقابلاته عن سر نجاحه وقد عزاه لله وتوفيقه وللناس اللي بسببهم نجح , قال مكاوي :

( انا مدين للناس بأي نجاح وصلت له , أنا مدين للناس في تعليمي الموسيقى لان من كتر ما بحبهم قدرت افهم بيحبوا ايه وما يحبوش ايه ,وده بيبقى واضح في الحاني اللي بعملها واقدر افهم الناس بتجتمع على ايه ,فربنا بيوفقني اني اقدر اعمل لحن بيوقع في قلب كل انسان )

كان سيد مكاوي انسانا بمعنى الكلمة ,لم يثنه فقدان بصره عن مساعدة الاخرين ,كما لم تثنيه عن ان يكون رجلا صلبا لا يرضى بشفقة الاخرين عليه ولا مادة كي يدر عطفهم ,بل على العكس ,كان يرفض أن يبوح بألمه كي لا يبدو ضعيفا او مصدر لتعب الأخرين , كما قالت أميرة :

في لندن كنا نازلين من القطار وفجأة تكعبل بالسلم وبعديها نزل السلم الطويل لحد أخره ,وانا اتخضيت عليه ورحت أسأله ان كان بيه حاجة ؟ .. فابتسم وهو بيقوم وقال .. ( ما شفتش الدرج بتاع القطار .. هما بيعملوه السلم كده ليه !؟ )

كانت احدى نكساته الصحية التي رافقته طيلة حياته واثرت على جسده وعلى سمعه ايضا ,لكنه في وقتها لم يكن يريد اخافتي عليه !

أخلاق سيد مكاوي شهد بها الجميع , الملحن العبقري لم يترك ارصدة في البنوك ,بل ترك الارصدة في القلوب ,مكاوي لم يكن من جامعي الاموال ,لدرجة انه مات وهو عادي الحال لا ميسوره , ورغم انه جاب بألحانه العواصم الكثيرة ,إلا أنك قد لا ترى شخصا بتواضعه وحبه للحياة وروح الدعابة التي يمتلكها ,هو ليس بحاجة أحد ليدافع عنه في غيابه ,لانه ببساطة ,لا يمتلك أعداء !

أم كلثوم وسيد مكاوي.. رغم الخلاف ''طبعاً أحباب'' | مصراوى
علاقة سيد مكاوي مع السيدة ام كلثوم كانت حميمية جدا ,لدرجة أنه اعتزل التلحين عندما ماتت

شهادة المطربين في سيد مكاوي

في موقف مشهود للفنانة اصالة نصري قالت فيه أن حلمي بكر ليس بصاحب فضل عليها ,وان صاحب الفضل الوحيد في مسيرتها هو الشيخ سيد مكاوي الذي اكتشفها وقدمها للناس واعطاها من الحانه وآمن بها .. كل جبروت السيدة أم كلثوم عندما قررت ان تتعاون معه في اغنية يا مسهرني وقالت له عندما تحدث عن أجر التلحين ( يكفيك فخر أنك بتلحن لام كلثوم ! ) .. فأجابها ضاحكا ( البقال مش بياخد مني أخر كل شهر فخر ,ده بياخد فلوس ! )

لم يقصد الشيخ مكاوي النقود في حديثه ,لكنه قصد الكبرياء ,فهو لم يختلف مع احد في حياته على اجر عمل ما قدمه ,بل أن الكثيرين يشهدون بما قدمه بدون اي مقابل ,وحتى علاقته مع السيدة ام كلثوم كانت حميمية جدا ,لدرجة أنه اعتزل التلحين عندما ماتت ,وحبس اغنية ( اوقاتي بتحلو ) لاكثر من عام في درج مكتبه ,الا ان الحت عليه وردة الجزائرية بأن يمنحها فرصة أن تغنيها !

وفي ذلك شهدت زوجته السيدة الفنانة زينات خليل قائلة ..
( زوجي عمل إنجازات فنية كتيرة لوحده، وسيد مكاوى كان بيضحك على طول حتى لو مفلس ومش معاه فلوس، فدائما ما كان يعرف الضحك فقط. )

سيد مكاوي يعيد احياء اغنيته التي ماتت فنيا

بعد سنين من فشل اغنية ما تفوتنيش انا وحدي .. خرج المارد من قمقمه وفاجئ الجميع في حفل بغداد عندما صدح بأغنيته المنسية بصوته المليء بالاحساس والعفوية التي تميزه عن كل مطربي جيله ,بصوته الذي جسد العتب الرقيق في مفردات الاغنية بطريقة تسحر القلوب .. وقال ..

( عمر هوانا بيجري بيجري شوف راح منو كام .. ساعة شوق ومحبة .. شهر بعاد وخصام .. ويبقى الحب تايه مش عارف احنا فين .. زي المركب ما يبقى محتار بين شطين ,, لكن لايمتى .. يا عيوني انت .. نبقى حبايب ومش حبايب لحد ايمتى ؟ )

لا يمكن تخيل حالة الجمهور بالتفاعل مع الاغنية ,حالة الموسيقى التي كانت اشبه بفعل ورد فعل بين عوده الذي كان يعزف عليه ,وما بين الفرقة الموسيقية التي كان ترد عليه ,حالة تناغم وشذا وجاذبية من الصعب فهمها الا عندما تفهم مدرسة الشيخ سيد مكاوي وتتلمس الحانه بروحك وقلبك لتكشف اسرارها وذلك الاحساس الذي يغمرك وهو يكمل الاغنية ويقول ..

(( الليل ,, الليل ,, الليل بدموعه قاسي يا ويلي من ساعاته ,, الصبر لسه ساكت يا ويلي من سكاته ,, توعدني بفرحتي .. واستنى بضحكتي .. زي الوردة ما تبقى مستنية الندى .. وتروح وتفتكر .. وتجيني .. قال وتعتذر .. فين القلب اللي يقدر يستحمل كل ده !!؟ ))

سيد مكاوي الملحن صاحب الصنعة

كان سيد مكاوي هرما في مجاله صعب ان يطال ,كان صاحب الصنعة ( كما قال عنه بليغ حمدي ! ) وفي عام 1977,ومن باب ان الشيء يذكر بالشيء , قالت وردة الجزائرية عن سيد مكاوي …

( الشيخ مكاوي كان مدرسة في الاغنية الشرقية ,و دي كانت جديدة علي , عندما طلبت منه لحن ,و وافق انه يعطيني ( اوقاتي بتحلو ) ,حسيت بخوف شديد ورهبة ,مش لاني ح غني اغنية كان مفروض تغنيها الست ام كلثوم ,خوفي كان اني ح غني لحن للشيخ مكاوي وطيلة 45 يوم بروفات ,كنت خايفة وهو يطمني ويتابع معاي لحد ما جاه يوم الحفل واطلاق الاغنية ,, كنت على المسرح متوترة وخايفة ,, وببص في الناس اللي قاعدين ,لقيت الشيخ مكاوي فاتح ايديه وبيدعي وشكله بيقرأ قرآن ,, ومع بداية اللحن ,, وبداية ما غنيت .. كنت ابص له والقاه مبتسم وبيضحك .. سألته بعد الحفل .. انت كنت خايف يا شيخ مكاوي اني ما انجحش !!؟ .. رد علي وهو بيضحك .. انا ما خفتش منك و واثق انك ح تغني كويس ,, لكن انا كنت متشاءم من اللحن ده عشان كان لازم تغنيه الست ,وربنا عداه على خير .. وفضل يضحك .. وسابني ومشي ! ))

وبعد ان غنى الشيخ مكاوي اغنيته المنسية ( ما تفوتنيش انا وحدي ) .. اصبحت الاغنية الاكثر شهرة .. لا بل أنها الاغنية الاكثر جاذبية لدى المطربين ,ولا يمكن حصر من غناها بعد سيد مكاوي ,هاني شاكر وورودة الجزائرية و وائل جسار وشيرين عبد الوهاب وامينة خافت وعلي البهلاوي وكثيرون غيرهم ,, هي الاغنية المليئة بالعتب والسخرية والحب والانصياع للحبيب والتوسل والترجي له .. هي مزيج من احاسيس جسدها سيد مكاوي بلحن عبقري مزيج من البياتي والنهاوند !

الأرث الكبير لسيد مكاوي

رحل سيد مكاوي تاركا وراءه أرث كبير نتعلم منه ,ليس بالفن وحسب ,بل في الانسانية ,نتعلم من انسان لم تثنيه عاهته بالعمى ان يصل الى حلمه ,لم يثبنه فقره وظروفه وامراضه ,أن يكون انسانا محبا للجميع ,وفي مثل حاله وظروفه نجد الكثيرين مصابون بامراض نفسية وحقد على المجتمع والناس ,الشيخ مكاوي كان صديقا حتى لمن عاداه ولم يقدم له العون ,كان وجوده مرتبطا بالفرح والنكتة ,سخر من مأساته لدرجة انها خجلت منه وأخبرت الحياة ان الله منحه كل اسباب الثبات ليمضي قدما نحو حلمه ويخلد اسمه بين كبار عصره.

Sayed Mekkawy سيد مكاوي Official
الرجل الضرير الذي صنع بعالم خياله .. ما عجز ملايين من المبصرين عن صنعه في واقعهم المبصر

وفي الختام

في زمن الابتذال المقرف الذي نعيشه بالفن .. نرى صعاليك يظنون انهم مطربين ,وما ان يتم اشهارهم ,نرى التعجرف وكبرة النفس والغرور والارصدة تمتلئ في البنوك ,اصبح من المستحيل ان نرى نموذج الشيخ سيد مكاوي بما يتملكه من عبقرية بالفن وتواضع كبير وحب للناس وخوف من الله !

وربما أعجب ما حدث ,وربما تفهم به سر عبقرية هذا الرجل ,أنه عرض عليه من قبل الرئيس جمال عبد الناصر ان يسافر الى روسيا ليجري عمل جراحيا يعيد له بصره ,, لكن الشيخ مكاوي رفض بشكل قاطع ,, وقالت اميرة عن هذه المرحلة ..

( ابو السيد فضل ان يبقى في عالم خياله .. على أن ينتقل لعالم واقعي لا يريده ! )

الرجل الضرير الذي صنع بعالم خياله .. ما عجز ملايين من المبصرين عن صنعه في واقعهم المبصر ,, وفي مقابلتها الاخيرة قالت اميرة ..

( قال لي مرة وكان ماسك ايدي بالشارع .. ما تفوتنيش وحدي يا ميللوو .. انت لما جيتي الدنيا اكتملت سعادتي .. ) .. تمسح دمعة غلبتها وتقول .. ( انا نفذت وعدي وما فتكش يا ابو السيد .. لكن انت اللي فوتني وحدي .. ارجوكم ادعوا له بالرحمة ! ) .. واغقلت اميرة دفتر مذكراتها وقامت لتنهي المقابلة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى