هل الفيدرالية واللا مركزية هي الحل في سوريا !؟
هل الفيدرالية واللا مركزية هي الحل في سوريا !؟ من ضمن المصطلحات الكثيرة التي باتت تطل علينا برأسها يوميا مصطلحان ( الفيدرالية واللا مركزية ) وهذه المصطلحات قانونية دستورية وسياسية بطبيعتها وليس من السهل على العامة التحدث بها نظرا لتشعبها الكبير وتداخلها بعلوم أخرى .. لكن ,وكما هي العادة ,أن جميع ( المؤثرين وصناع المحتوى ) أصبح يتكلم بهذه المصطلحات ويستسهل تناولها ,وللأسف بشيء من الغباء والسطحية !
بقلم : المحامي هادي بازغلان
هل الفيدرالية واللا مركزية هي الحل في سوريا !؟
في ظل الوضع الراهن الذي فرضته قوى الامر الواقع عقب سقوط نظام الاسد البائد ,وتمنع هذه القوى عن الانضمام للدولة السورية الجديدة كوضع شرق الفرات و وضع جبل العرب على حد خصوص ,وفي ظل وجود أقاليم خارجة عن سلطة الدولة كما هو الحال في الشمال السوري ,وفي ظل المطالبة بحماية دولية من بعض الاقاليم كالساحل وغيره ,وغيرها من المشاكل السياسية المتعلقة بالجغرافيا العرقية ,بتنا مؤخرا نسمع كثيرا مصطلح ( التقسيم ) ,وبكل تأكيد فإن جلّ السوريين يرفضون التقسيم ويصرون على وحدة الأراضي ,وهو المنطق وهو ما نتمناه جميعا.
لكن مع تكرار سماعنا لمصطلحات الفيدرالية واللا مركزية ,بات من الواجب أن نشرح .. ما هي الفيدرالية وما هي اللا مركزية !؟ ليتبصر الناس حقائق هذه المصطلحات فلا يتم تناولها بنوع من الببغائية دون فهم ! .. وسأحاول جاهدا شرح كل هذه الأمور بأبسط طريقة ممكنة لتصل للجميع ..
أقرأ أكثر:
- ما الذي تعرفه عن الدروز الموحدين !؟
- الليبرالية الاسلامية ,هل تصلح نظاما للحكم !؟
- ما هي هوية لبنان منذ استقلاله في 1945 !؟
الفيدرالية واللا مركزية
يمكن القول أن الفيدرالية، نمط من التنظيم السياسي ( في الدولة ) ,وهو يوحد الدول المنفصلة أو الكيانات السياسية داخل نظام سياسي شامل بطريقة تسمح لكل من هذه الكيانات بالحفاظ على سلامتها وأمنها ضمن اتحاد يضمها مع الغير.
وهذه الكيانات السياسية تندمج وتتوحد لتشكل كيان واحد يمثلها ,مع احتفاظها بقوانينها المحلية المستقلة عن قوانين الكيان الكبير الذي تم تشكيله.
ونطرح مثال لفهم الموضوع وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي تتكون من اتحاد 50 ولاية ,وهذه الولايات كانت تشكل كل منها دولة مستقلة .. أي يمكن القول أن 50 دولة قررت أن تتحد مع بعضها لتشكل الولايات المتحدة الامريكية !
ومثالنا يقول :
تعد ولاية بوسطن في الشرق الامريكي ولاية فدرالية في امريكا ,ولنفرض أن معدلات الضريبة تصل الى 30% سنويا , فيما أن كاليفورنيا ,والتي هي ايضا ولاية فدرالية في الغرب الامريكي ,تصل بها الضرائب السنوية الى 20% !
وبالمقابل ,يفرض القانون في بوسطن غرامة 3000 دولار للشخص الذي يقود سيارته في حال تعاطي الكحول ,فيما أن عقوبة نفس الفعل في كاليفورنيا قد تصل الى 5000 دولار امريكي مع حبس او سحب رخصة القيادة ( كلها أمثلة افتراضية لتبسيط فهم الموضوع )
الامثلة السابقة توضح أن بوسطن وكاليفورنيا ولايات ضمن الولايات الفيدرالية الامريكية ,لكن كل ولاية تحتفظ بقوانينها الخاصة ولا يمكن أن نطبق قانون ولاية بوسطن في اراضي كاليفورنيا ,والعكس صحيح !
الفيدرالية واللا مركزية ضمن الهيكل اللا مركزي
بما أن الولايات ال50 كلها متحدة مع بعضها في الكيان الاكبر ( الولايات المتحدة ) فإن هناك قوانين عامة تفرضها السلطة المركزية على جميع الولايات ,وهذه القوانين يفندها الدستور الامريكي الملزم لكل الولايات .. كقانون التجنيد الالزامي أو قانون الانتخابات العامة .. الخ .. لكن ما تبقى من قوانين تخص القضاء والتعليم والتجارة والمصارف والمالية الضريبية .. الخ ,, تعد قوانين محلية تخضع لنفوذ كل ولاية على حدا .. فيما يسمى بالهيكل اللا مركزي .. كما سنوضح بعد قليل ..
أظن حتى الأن الفكرة واضحة .. وفي حال عدم فهم أي فقرة يرجى السؤال في التعليقات لأحاول الشرح.
وضمن الفكر الفيدرالي ,يتشارك الجميع في صناعة القرارات وتنفيذها ايضا ,ويكون هناك توافق على شكل الحكم ,وتشكيل مجالس نيابية برلمانية من نواب تنتجهم كل منطقة او ولاية على حدا ,وتشكل هذه المراكز النيابية القوة الاساسية التي تعتبر الوسيلة القانونية لحماية الحريات الفردية والمحلية.
ويمكن القول أن الكثير من الدول الكبرى تلجأ للفيدرالية كوسيلة حكم نظرا لما تحققه الاستقلالية من تفرد وتميز ,ومن هذه الدول ( امريكا والمانيا واستراليا وكندا والبرازيل وماليزيا واندونيسيا وسويسرا .. وغيرهم الكثير )
خصائص الفيدرالية
وهناك أشكال كثيرة للأنظمة الفيدرالية وسنورد بشكل مختصر أهم الخصائص التي تميز الفيدرالية بشكل عام …
الدستور !
كل الفيدراليات تتمتع بوجود دستور مكتوب ومتوافق عليه من قبل كل الولايات الفيدرالية في الكيان, ويعتبر الناظم للقوانين الفيدرالية العامة التي تنطبق على جميع الولايات الفيدرالية.
اللا مركزية !
تتمتع كل الأنظمة الفيدرالية بلا مركزية السلطة ! بمعنى كي تنشأ فيدرالية يجب أن تكون كل ولاية مستقلة عن الأخرى ,ومستقلة عن الاتحاد الفيدرالي بما يخص قوانينها .
التقسيم الجغرافي السياسي للسلطة !
العنصر الثالث المشترك لأي نظام فيدرالي هو ما يسمى بنظام التقسيم الجغرافي للسلطة ! وهذا التقسيم يضمن الحياد والمساواة في التمثيل السياسي لكل منطقة .
الكفاءة والتناسب !
لنفترض أن 5 مناطق أرادت تشكيل حكومة فيدرالية كبيرة ,لكن هذه المناطق متفاوتة من حيث المساحة ومن حيث عدد السكان ومن حيث القوة الاقتصادية .. فهل تتساوى المناطق القوية والغنية والكبيرة مع المناطق الضعيفة والفقيرة !؟
ولحل هذه المعضلة ,اقترح فقهاء النظم الدستورية أن تكون الولايات الفيدرالية متقاربة في عدد السكان والثروة، ومتوازنةً جغرافيًا وعدديًا ومقبولة من حيث التفاوت نوعا ما ,إذ أن الغاية من الاتحاد الفيدرالي لا يتمثل فقط بضمان العدالة والمساواة بين الولايات الفيدرالية ,وإنما ضمان الحقوق والقوانين الخاصة لكل ولاية واستقلالها ,وفي حال طغيان ولاية على أخرى بالقوة المادية والبشرية والجغرافية ,فهذا الأمر يشكل خطورة على الاستقلالية الخاصة لكل ولاية .. وبالتالي على الفيدرالية نفسها !
الأمر لا يقتصر فقط على الطغيان المادي او البشري او الجغرافي ,بل يتعداه بأن تستأثر أحدى الولايات بالشأن السياسي للاتحاد الفيدرالي ,وكمثال توضيحي .. خلال الحقبة السوفيتية (1917-1990/1991)، حدّ وجود جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية – التي كانت تشغل ثلاثة أرباع المساحة وتضم ثلاثة أخماس السكان – بشدة من إمكانية قيام علاقات فيدرالية حقيقية في ذلك البلد، حتى لو لم يكن النظام الشيوعي كذلك , وكان من النادر أن تشترك بقية الولايات في إدارة الحكم العام في ظل سيطرة روسيا على الاتحاد الفيدرالي !
ما هي اللا مركزية !؟
على مر التاريخ، كان هناك ميل لدى الحكومات التي تتمتع بمركزية السلطة إلى تقليص سلطة الحكومات المركزية من خلال تفويض السلطة إلى الحكومات المحلية أو الإقليمية .. ماذا يعني ذلك !؟
لنفترض أن الأمر يخص سوريا ,والتي تعد من الدول المركزية في السلطة ,بمعنى ان القرارات تصدر في العاصمة دمشق والتي تتحكم في كل المحافظات بكل الأمور الكبيرة والصغيرة التي تجري بها ,فعلى سبيل المثال اذا افتتحت مدرسة في مدينة حمص ,يجب أن يأتي قرار افتتاحها وتسميتها وتعيين كادرها .. تحديدا من وزارة التربية في دمشق !
هذا الأمر يسمى بمركزية القرار أو السلطة ,والدول الحديثة رأت أن ذلك يعتبر فشلا إداريا ,وأصبحت تتجه نحو لا مركزية السلطة ,واذا عدنا لمثال المدرسة في حمص ,فإن لا مركزية السلطة تعني بأن تقوم مديرية التربية في حمص بتسمية المدرسة وافتتاحها وتعيين كادرها دون الرجوع لوزارة التربية في العاصمة دمشق !
نشوء اللا مركزية وتأثر فرنسا بها
قبل ثمانينيات القرن العشرين، كانت فرنسا من أكثر الدول مركزية في العالم. كان على الحكومة الوطنية في باريس الموافقة المسبقة على جميع القرارات الرئيسية التي تتخذها الأقاليم والمحافظات والبلديات ، بدءًا من ميزانيتها السنوية ووصولًا إلى أسماء المدارس أو الشوارع الجديدة. ومع ذلك ، مع تزايد حجم ومسؤوليات الحكومات المحلية، اعترض معظم رؤساء البلديات على مركزية السلطة، المعروفة باسم الرقابة . لتقليص نطاق السلطة التي تمارسها الحكومة المركزية إلى حد ما، قامت حكومة الرئيس فرانسوا ميتران بتوسيع سلطة المستويات الثلاث للحكومة دون الوطنية بشكل كبير، وأزالت الرقابة من جميع جوانب صنع السياسات تقريبًا.
يُنظر إلى اللامركزية في العديد من الدول كوسيلة لتقليص الانقسامات الإقليمية أو العرقية أو الإثنية أو الدينية، وخاصةً في المجتمعات متعددة الأعراق والأديان ، مثل سوريا ,وقد نجحت اللا مركزية في دول كثيرة مثل سريلانكا واسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وغيرها الكثير ,وكما أسلفنا أصبحت تمثل رؤية جديدة في علم النظم الحاكمة بشكله الحديث.
لكن هل تعني اللا مركزية انفصال الولايات عن الجسم الأم !؟
بالتأكيد لا ,استقلالية الولايات أو المحافظات يكون ضمن الشأن الإداري الخاص بكل محافظة ,لكن كل المحافظات تبقى خاضعة للقانون الأساسي والدستور العام في البلاد, وبالتالي فرق كبير بين اللا مركزية ,والتي تعد بنظري ( مجموعة قواعد تنظيمية دستورية تطلقها الحكومة المركزية لتسهيل الإجراءات والأمور الناظمة لمؤسساتها عبر فصل قرار المؤسسة الأم عن الفروع ) ,وبين الفيدرالية التي تعد كيان جامعا لعدد من الولايات التي وإن انضمت واتحدت ضمن كيان كبير إلا أنها بقيت مستقلة في قوانينها المحلية.
الهدف من شرح الفيدرالية واللا مركزية
الموضوع متشعب بشكل كبير ,ومن الصعوبة بمكان أن نشرحه ضمن مقال ,لكن أعتقد أنني أوصلت الفكرة بشكل معقول ,كي تتضح الصورة لديكم ولا يتم استغلال جهلكم بالقوانين الدستورية لتعويم بعض المصطلحات وتلميعها , والهدف من شرح الفيدرالية واللا مركزية لنصل الى فهم كافي بهذه الرموز الدستورية.
بقي أن أقول أن تطبيق الفيدرالية أمر صعب جدا واعتقد أنه غير وارد في سوريا لأنه يتطلب بيئة سياسية مستقرة ونوع من الوعي الشعبي وأيضا الاستقرار الاقتصادي و وجود الحريات ,كما أنني لا أتمنى حدوثه ولو أنه أمر اعتيادي موجود في دول كثيرة لأسباب يمكن أن أفصلها في مقال أخر ,أما من حيث اللا مركزية ,فهي مطلب أساسي أتمنى أن نراه قريبا كي تتولى كل محافظة مسؤولياتها وتنفطم عن العاصمة الأم وتبدأ في رعاية أبنائها وحمايتهم !
وكل ما سبق يعد فقط شرح لمصطلحات قانونية تتعلق بنظم الفيدرالية واللا مركزية ,ولكن يبقى الحل في رأيي بوحدة الارض واتحاد مكونات الشعب ونبذ الطائفية ومن يغذيها ومحاربة الحركات المتطرفة الدينية والعمل على مدنية الدولة وصيانة حقوق المواطنين وترسيخ العيش المشترك وسلطة القانون والحياة الديمقراطية ورفع السوية الثقافية ,فهم سبيلنا الوحيد للنجاة.
المصدر :
