ثقافة عامة

العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا !

في المقال سنتابع قراءة في العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا من حيث التاريخ ومدى وشدة العقوبة وسبب فرضها ,لنحاول اماطة اللثام عن ملف هام دام زهاء نصف قرن وحمل للسوريين الاوجاع وشل اقتصادهم وعطل حركة النمو والتنمية ,في المقال أبرز العقوبات التي طالت سوريا من امريكا وقراءة موجزة تخص العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا.

بقلم : المحامي هادي بازغلان


العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا

شاهد العالم بأسره الرئيس الامريكي دونالد ترامب خلال خطابه التاريخي في مدينة الرياض والذي أقر فيه رفع العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا .. وبكل تأكيد هلل الشعب السوري وفرح واحتفل بشكل عفوي بهذا القرار التاريخي .. لكن .. تفاجئت أن عددا كبيرا من ابناء الشعب السوري لا يدركون حقيقة ما هي العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة على بلدهم .. مما دعاني لكتابة هذا المقال ليكون لدينا الثقافة الكاملة عند نقاش أي فكرة خاصة الافكار التي نحتفل بها لأجل الوطن .

البعض يظن ان السلاح الأقوى في الترسانة العسكرية للولايات المتحدة الامريكية بمواجهة الدول المناهضة لها هي الرؤوس النووية او القنابل الذرية لكن ربما تفاجئون ان العقوبات الاقتصادية تكاد تكون السلاح الامضى في هذه الترسانة !

دأبت أمريكا بفرض عقوبات اقتصادية على كل من يناهضها منذ مئة عام وتحديدا مع بداية الحرب العالمية الأولى بعام 1914 واستمرت بفرض العقوبات لكن دون تأثير كبير لان العالم وقتها لم يكن يعترف بامبراطورية واحدة تسيطر عليه وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية حيث انقسم الى معسكر غربي بقيادة أمريكا ومعسكر شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وكانت الدول المعاقبة من أمريكا تجد ملاذا في الهروب للمعسكر الشرقي لتأمين احتياجاتها ,ولكن بعد عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفيتي تفردت أمريكا بقيادة العالم وبالتالي لم تعد بحاجة تحريك جيوشها واساطيلها لتفرض هيمنتها ولما تفعل ذلك وبين يديها سلاح فعال وهو العقوبات الاقتصادية !

والحقيقة أن أمريكا اسرفت كثيرا في استخدام هذا السلاح فمنذ ذلك الوقت وهي تعاقب الدول لكن لا احد يعاقبها ,ولكم ان تتخيلوا انها فرضت 125 قرار عقوبات اقتصادية على 47 دولة وذلك منذ عام 2002 الى عام 2006 حتى تم وصفها بالعقوبات الغبية بعد تجارب كثيرة ومريرة فهي قللت من اعمار الشعب الكوري الشمالي نحو 3 سنوات وقضت نهائيا على العملة الوطنية لدولة زيمبابوي وأصبحت بلا أي قيمة ولعل اكثر التجارب مرارة كانت العقوبات التي فرضت على العراق وتسببت بقتل 2 مليون انسان عراقي من سنة 1990 الى سنة 2003 حيث شلت هذه العقوبات الاقتصاد العراقي وتسببت بتجويع شعبه ولم تستطع تغيير نظامه الحاكم الا عندما غزته عسكريا بعام 2003 .. ,بعد فاجعة العراق شجب العالم هذه العقوبات مما حدا بامريكا ان تلجأ لما يسمى بالعقوبات الذكية !

في واقع الأمر أن العقوبات الذكية أسست لقوانين كثيرة في الولايات المتحدة الامريكية بلغ عددها اكثر من 8000 قرار وقانون ومشروع قرار عقوبات على افراد وشركات تشابه قانون قيصر الذي فرض في سوريا والذي ينص على فرض عقوبات اقتصادية أي جهة فردية او جماعية غير أمريكية تتعامل تجاريا مع سوريا في صفقات ذات مغزى في قطاعات البترول والطيران والخدمات الهندسية والمقاولات والانشاءات, وقد ادرج قانون قيصر ضمن جدول العقوبات الاقتصادية الذكية !

والآن بعد هذه المقدمة .. سنقوم بقراءة سريعة في ملف العقوبات الامريكية على سوريا !

تم تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب منذ ديسمبر 1979. وتمت إضافة عقوبات وقيود إضافية عليها في مايو 2004 مع إصدار الأمر التنفيذي 13338، الذي نفذ قانون سمي ( قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية لعام 2003 (SAA) ) وفرض تدابير إضافية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) (50 USC 1701 وما يليه.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا للإطاحة بنظام الاسد في آذار 2011، سعت الحكومة الأمريكية إلى فرض عقوبات مُدروسة لحرمان النظام السوري من الموارد التي يحتاجها لمواصلة العنف ضد المدنيين، وللضغط عليه للسماح بانتقال سياسي ديمقراطي في السلطة. وكانت الخطوة الأولى في جدول العقوبات إصدار الأمر التنفيذي رقم 13572 في أبريل/نيسان 2011، الذي يحظر ممتلكات المسؤولين السوريين وغيرهم من المسؤولين المدانون بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في أمريكا وتجميد أموالهم في المصارف.

وعندما قمعت حكومة بشار الأسد المتظاهرين بوحشية عام ٢٠١١، أراد الرئيس السابق باراك أوباما تشديد العقوبات، لكنه واجه معضلة. تمثلت بأن سوريا بالفعل كانت خاضعة لعقوبات شديدة سابقة لدرجة أن القليل من الحبال التي تربطها بالنظام المالي العالمي لن تشكل ذلك التأثير لقطعها !

وقال مسؤول أميركي لصحيفة نيويورك تايمز عام 2011 بحسب موقع middleeasteye المتخصص .. “نحن نتحدث عن بلد يبلغ حجم اقتصاده نفس حجم اقتصاد بيتسبرغ” ! .. في اشارة لضعف ناتج الدخل القومي في سوريا !

ما هو تاريخ العقوبات الأميركية الاقتصادية على سوريا؟
فرضت أمريكا نظام عقوبات متشابك ومعقد على سوريا وقد تم ذلك على مدى خمسة عقود من العمل، فعندما تولى حافظ الأسد السلطة في سوريا بانقلاب عام ١٩٧٠، كانت سوريا تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من الاتحاد السوفيتي. وقد اشتهر الأسد الأب بإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الولايات المتحدة وخصومها في الحرب الباردة، ولكن في عام ١٩٧٩، اختلف مع الولايات المتحدة بشأن لبنان ، وصُنفت سوريا دولة راعية للإرهاب منذ ذلك الوقت !

وجاءت عقب ذلك بعض العقوبات الاقتصادية بعد أن فرض حزب البعث الذي يتزعمه الأسد سياسة التأميم الشاملة التي أدت إلى رحيل الطبقة البرجوازية القديمة من رجال الأعمال في سوريا وردع الاستثمارات الغربية.

وقد وضع هذا التصنيف سوريا في نفس الفئة مع كوبا وإيران كدولة راعية للإرهاب وفرض قيود جديدة شاملة على المساعدات الخارجية الأميركية، وحظراً على مبيعات الدفاع، وضوابط تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، وقيوداً مالية أخرى.

تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا لفترة وجيزة بعد انضمام الأسد الأب إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة لمحاربة صدام حسين في حرب الخليج الأولى، لكنها توترت بسبب علاقات سوريا بحماس والجهاد الإسلامي، وتدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

وأدت هذه التوترات إلى إشعال أول موجة ضخمة من العقوبات الاقتصادية على سوريا , بعد أن أقرّ الكونغرس قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية عام ٢٠٠٣، وفي العام التالي فرض الرئيس السابق جورج بوش عقوبات شاملة. كانت الصادرات الأمريكية إلى سوريا شبه محظورة، باستثناء الغذاء والأدوية الأساسية. ثم في عام ٢٠٠٦، وحظرت الولايات المتحدة التعاملات مع البنك التجاري السوري.

تصاعدت العقوبات الأمريكية على سوريا بشكل كبير بعد حملة بشار الأسد الوحشية على المتظاهرين ومع احتدام الحرب, فرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال أعمال سوريين وبنوك وحكومة. وانخفض حجم التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وسوريا من حوالي 900 مليون دولار في عام 2010، إلى أقل من 60 مليون دولار في عام 2012 !

ومنذ ذلك الحين، تركزت العلاقات الاقتصادية الأمريكية حول شمال شرق سوريا، الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد, وفي عام 2020، حصلت شركة أميركية على إعفاء من العقوبات لتطوير حقول النفط في المنطقة، لكن هذا المشروع تلاشى.

وكان ذلك الهدف الأول للعقوبات ,أما الهدف الثاني فكان منع الحكومة السورية من الوصول إلى القنوات المالية العالمية، وكبح الواردات السورية من الدول الغربية، وحظر صادرات النفط السورية وغيرها.

ومع سنوات الحرب واستمرار انتهاكات الاسد لشعبه, بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ عقوبات ثانوية رديفة، مما يعني أن أي شخص يتعامل تجارياً مع كيان سوري خاضع للعقوبات قد يرى قدرته على الوصول إلى الاقتصاد القائم على الدولار الأميركي مقيدة.

أدت جملة هذه العقوبات إلى عدم قدرة حكومة الأسد على الخروج من عزلتها حتى بعد انتزاعها السيطرة على ثلثي سوريا من المعارضة, زار الأسد الإمارات العربية المتحدة عام ٢٠٢٢، وانضم مجددًا إلى جامعة الدول العربية في العام التالي، لكن دول الخليج، التي تستثمر على نطاق واسع في الولايات المتحدة وتتاجر بنفطها بالدولار، رفضت المساهمة في إعادة الإعمار لأن الاسد رفض أي خطة لتشارك السلطة مع المعارضة !

ومن بين التدابير الأكثر تقييداً على سوريا كانت العقوبات الأميركية على البنك المركزي، والتي يعود تاريخها إلى عام 2011، مما يجعل من المستحيل تقريباً على الحكومة السورية الاستفادة من الأسواق المالية الدولية أو تلقي المساعدات الدولية ,ولعله البند الاهم الذي يفرح الحكومة السورية عند ازالته من قائمة العقوبات وخاصة انه يتعلق بإعادة الاعمار.

وتم إعادة تأكيد العقوبات على البنك المركزي بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 والذي سمي على اسم مصور عسكري سوري قام بتهريب عشرات الآلاف من الصور المروعة خارج البلاد والتي وثقت أدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الاسد بحق شعبه.

لائحة بأهم القوانين التي نظمت العقوبات الاقتصادية الامريكية على سوريا :

🇱🇷 في 12 مايو 2004
الأمر التنفيذي رقم 13338؛ تجميد ممتلكات بعض الأشخاص ومنع تصدير بعض السلع إلى سوريا
🇱🇷 في 26 أبريل 2006
الأمر التنفيذي رقم 13399؛ تجميد ممتلكات أشخاص إضافيين فيما يتعلق بحالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بسوريا
🇱🇷 في 15 فبراير 2008
الأمر التنفيذي رقم 13460؛ تجميد ممتلكات أشخاص إضافيين فيما يتعلق بحالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بسوريا
🇱🇷 في 29 أبريل 2011
الأمر التنفيذي رقم 13572؛ تجميد ممتلكات بعض الأشخاص فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
🇱🇷 في 18 مايو 2011
الأمر التنفيذي رقم 13573؛ تجميد ممتلكات كبار المسؤولين في الحكومة السورية
🇱🇷 في 18 أغسطس 2011
الأمر التنفيذي رقم 13582؛ تجميد ممتلكات الحكومة السورية ومنع بعض المعاملات المتعلقة بسوريا
🇱🇷 في 23 أبريل 2012
الأمر التنفيذي رقم 13606؛ تجميد ممتلكات بعض الأشخاص وتعليق دخولهم إلى الولايات المتحدة فيما يتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها حكومتا إيران وسوريا عبر تكنولوجيا المعلومات
🇱🇷 في 1 مايو 2012
الأمر التنفيذي رقم 13608؛ حظر بعض المعاملات مع الولايات المتحدة وتعليق دخول المتهربين من العقوبات الأجنبية فيما يتعلق بإيران وسوريا
🇱🇷 قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)
🇱🇷 قانون الحد من التهديد الإيراني وحقوق الإنسان في سوريا لعام 2012
🇱🇷 قانون الطوارئ الوطنية (NEA)
🇱🇷 المادة 5 من قانون مشاركة الأمم المتحدة لعام 1945 (UNPA)
31 CFR الأجزاء 542 – لوائح العقوبات السورية.

هذه مجرد عناوين للملفات التنفيذية للعقوبات ,من أراد التوسع بأي منها سأضع رابط موقع الحكومة الامريكية state.gov في التعليق الأول ,وبداخله ستجدون شرح كامل لكل عقوبة.

واختم ..
يقول المفكر السياسي المرموق الأمريكي نعوم تشوميسكي ( أمريكا ستفعل كل ما بوسعها لمنع نشوء ديمقراطية حقيقية في العالم العربي ) ,صحيح أننا فرحنا برفع العقوبات ,لكن علينا أن نفهم أن امريكا ومن خلفها اسرائيل لا تضمران الخير للعرب والاسلام ,فلا مضار من الحذر وأنت تتناول هديتك من الذئب ,فلا نريد أن نستبدل العقوبات بما هو أسوأ منها ,ولغاية ذلك الوقت ,لا يسعنا إلا أن نعمل بالحكمة المعروفة ( اعطوا مال قيصر لقيصر ) لكن في حالنا علينا أن نقول ( اعطوا مال ترامب .. لترامب ) .. وننتظر ونترقب !


المصدر: 

موقع الحكومة الامريكي الرسمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى