الزير سالم وحرب البسوس ما بين التاريخ والحاضر
في سياق المقال سنحاول أن نفهم لما علينا مشاهدة مسلسل الزير سالم !؟ وكيف نقرأ الزير سالم وحرب البسوس ما بين سطور التاريخ والحاضر ,ما الذي نستقيه من اعادة فهم حرب البسوس وما مدى ارتباطها بواقعنا؟ وما هي الأخطاء التاريخية والاسقاطات الواقعية في هذه الملحمة الكبرى !؟
بقلم : المحامي هادي بازغلان
الزير سالم وحرب البسوس ما بين التاريخ والحاضر
قبل عام 494 ميلادي ,لم يكن يخطر ببال أحد من سكان الجزيرة العربية أن حربا ستنشب بين أحدى أكبر قبائل العرب وأعزهم نسبا وعزا ,وأن هذه الحرب ستشعل نارا لنحو 40 عاما وتقسم العرب ويقتل بها ابن العم ابن عمه وتراق بها سيول من الدماء التي لم تتوقف جيلا بعد جيل .. انها ملحمة حرب البسوس .. أشهر حروب العرب وأكثرها عنفا ودموية !
الملحمة تم تحويلها عام 2000 الى مسلسل من 40 حلقة من اخراج حاتم علي وتأليف ممدوح عدوان ( رحمهما الله ) ومن بطولة نخبة من نجوم الشاشة مثل سلوم حداد وخالد تاجا وعابد فهد وزهير عبد الكريم وتيم حسن وميلاد يوسف وسامر المصري وسمر سامي وفرح بسيسو وغيرهم الكثير .. وكما كانت القصة ملحمة بحد ذاتها ,, فقد كان المسلسل كذلك وحقق نجاحا جماهيرا كبيرا وبلغ القمة من حيث الاخراج واداء الممثلين ايضا.
أقرأ أكثر في باب الثقافة العامة:
- لدغات الأفعى .. قراءة في التنوير الإسلامي
- عيد المولد النبوي الشريف .. أعيدوا لنا رسولنا !
- الكونت دي مونت كريستو ,الرواية التي دخلت السينما ولم تخرج !
- الفن الملتزم العربي أندثر .. وين الملايين !؟
لكن .. كاتب المسلسل وقع في أخطاء كثيرة تاريخية جعلت القصة في المسلسل مختلفة نوعا ما عن القصة الحقيقية التي حدثت في الواقع ,وهذا مرده الى ثلاثة أمور :
الأول .. ضرورات درامية تحكم أي عمل درامي بما فيه الاعمال التاريخية.
الثاني .. تضارب المرويات التاريخية حول بعض الوقائع الهامة في القصة الحقيقية ,والكاتب لم يلجأ الى التحقق والاستقصاء والاستنتاج.
الثالث .. لجوء الكاتب الى الرواية الشعبية المعروفة والتي تحكى في القهاوي ويرويها القصاصون والحكاواتية تحت مسمى قصة الفارس المغوار الزير سالم ,وهو واضح من اسم المسلسل ( الزير سالم ) وليس ( حرب البسوس )
قبل أن نجاوب على سؤال المقال ,, لما علينا أن نشاهد مسلسل الزير سالم في وقتنا الحالي ؟ .. نعرج على ملخص سريع للمسلسل وبعدها ذكر بعض الاخطاء التاريخية الهامة التي وقع بها كاتب المسلسل ومن ثم نفند جواب السؤال
ملخص مسلسل الزير سالم
القصة معروفة لاغلبكم كما جاءت في المسلسل ,لذا سأرويها باختصار شديد .. الحرب دارت بين بني تغلب وبين بكر ,والقبيلتنان من صلب رجل واحد ,أي انهما ابناء عمومة ,وكانا يعيشان في نفس المنطقة وبينهم مصاهرة وانساب كبيرة ومتشعبة .. وكان مرعاهم واحد ومصابهم واحد وعدوهم واحد ,وكان زعيم البكريين يدعى مرة بن ذهل ,وزعيم التغلبيين يدعى وائل بن ربيعة ويلقب ( كليب) .
وقاتلت القبيلتين معا ضد الملك لبيد لانه اهان زوجته الزهراء (اخت كليب) وكانت أول مرة تنتصر بها القبائل العربية على ملك ,وقاد المعركة كليب ,ومن ثم هزموا جيش ارسله ملك اليمن ( التبع اليمني ) لاجبارهم على دفع الضرائب ,فأصبح كليب ذائع الصيت لدى العرب ,وقرر قومه من القبيلتين تنصيبه ملكا عليهم.
كليب ,اخو الزير سالم بطل القصة والملحمة ,وزوجته هي الجليلة بنت زعيم بنو بكر ,واخت جساس وهمام ,وبعد أن نصب كليب ملكا على القبيلتين ,طغى وتجبر على كل من فيهم ,وبلغ جبروته أن يمنع المواشي من شرب الماء ,ومنع البكريين من حماية الضيف وهي من كبرى شيم وفخر العرب ,لا بل أنه منعهم من الرحيل عندما طلبوا منه ذلك لانهم ملوا ظلمه وجبروته الغير مبرر لهم.
ملك كليب كل شيء دون أن يراجع أي أحد أو أن يأخذ بمشورة أحد, وأصبح حلمه أن يكون ملكا ولديه جيش وقصور وخدم والكل طوع أمره ,ونسي أن للعرب عزة وأنفة وكبرياء ,وأنهم لا يتحملون الجور والظلم ومس الكرامة ,وبلغ استخفافه ببني عمومته وأهل زوجته أن خرج وقتل ناقة كانت ترعى بحماهم اسمها البسوس ,فجن جنون جساس وخرج إليه وطعنه برمح أرداه قتيلا ثم جز رأسه بمساعدة ابن عمه الحارث ,ومن هنا بدأت الملحمة وقصة الثأر التي كادت ان تفني القبيلتين معا طيلة أربعين عاما شهدت الكثير من الاحداث الدامية والحزينة والفروسية والعزة والفخر بخليط غريب وعجيب من المشاعر فكيف يفخر ابن عم بقتل ابن عمه !؟
أبرز الاخطاء التاريخية التي وقع بها كاتب مسلسل الزير سالم
جساس لم يكن الثاني بعد همام من ابناء مرة ,بل كان أصغر ابناء مرة العشرة.
كان لجساس أربع أبناء ذكور أشتركوا بالحرب عندما اشتد ساعدهم ولم يذكر المسلسل أحد منهم.
كان لهمام أخو جساس عشر أبناء لم يذكر المسلسل منهم سوى أربع فقط ,فيما أن في كتب المؤرخين ذكروا وكانت لهم بطولات في المعارك.
الحرب لم تكن بشكل يومي أو اسبوعي أو كل ما أراد لها الزير ان تكون ,ولم تكن حرب قبيلتين بما جمعوا من فرسان ,ولم تكن الغلبة فيها دائما للزير والذي كان يحصد الرؤوس ويعود دون اي عناء ,هذا خطأ تاريخي كبير في المسلسل مرده اظهار فروسية الزير الاستثنائية وخوف البكريين منه, ولا شك أن الزير كان من اعظم فرسان عصره لكن ,المعارك طيلة اربعين سنة كانت قليلة ومعروفة ومذكورة في كتب التاريخ ,وكانت المعركة تعرف باسم ( يوم ) فكان هناك .. يوم النهى .. يوم الذنائب .. يوم واردات .. يوم أنيق .. يوم الحنو .. يوم ضرية .. يوم زبيد .. يوم عصيات .. قصيبات .. يوم تحلاق اللمم أو يوم قضة أو يوم الثنية كما اطلق عليه وهو من اهم المعارك التي أدت لنهاية الحرب , والمعارك كانت تدور بين بني بكر وحلفائهم ,وبين بني تغلب وحلفائهم ,وكانت الحرب تدور بين جيوش ,لا أفراد وجماعات ,فكل معركة كان يصطفها بها آلاف المقاتلين من كلا الطرفين ,وهذا يفسر استمرارها لمدة 40 عاما ,أما لو سلمنا بما ورد في المسلسل من سطوة الزير على البكريين فذلك يعني أن الحرب لن تتعدى عام او اثنين وتفنى قبائل بكر !
ومن الحقائق التاريخية أيضا ..
الزير سالم كان قائد جيش التغلبيين رفقة ابي نويرة التغلبي والذي كان من اقوى فرسان تغلب ,فيما أن الحارث وهمام وجساس كانوا أمراء حرب جيش البكريين ,وقد تناوبوا على إمارة الجيش ,فعندما قتل الحارث استلم همام ,وعندما قتل همام في يوم الواردات استلم جساس ,والذي أكمل الحرب كقائد لجيوش البكريين وبني شيبان الى ان قتل قبل نهاية الحرب بسبع سنوات.
اختلفت الروايات من قتل جساس ,فمنها من قال أن الهجرس ابن كليب ,ولكن الاتجاه الاكبر كان ان من قتله هو ابو نويرة التغلبي وكانا في مبارزة مع بعض وقتل كل منهما الأخر.
جساس لم يهرب عند اخواله في الشام كما ورد في المسلسل بل شارك بكل معارك الحرب حتى قتل, ولم يكن جبان وغدارا ايضا كما ظهر بالمسلسل بل كان من اعتى فرسان زمانه وفارس بين بكر ,ولم يقتل كليب من الظهر بل طعنه وجها لوجه.
اكثر مأخذ على قصة المسلسل هي نهاية الزير سالم ,وهي نهاية محرفة تماما وغير صحيحة ولم ترد لدى اي من المؤرخين, فالزير بعد دخول الحارث بن عباد للمعركة مع البكريين ,وقتله الكثير من التغلبيين انتقاما لابنه الذي قتله الزير ,شعر ان قومه ملوا الحرب ويريدون الصلح ,فقرر ان يتركهم ,وسافر مع ابنته الى اليمن واقام في احد القبائل المناصرة له معززا مكرما الى ان مات وابنته تزوجت ابن زعيم القبيلة.
الزير ليس اسم سالم ولا سالم اسمه ايضا .. وانما اسمه الحقيقي عدي بن ربيعة .. والزير لقب اطلقه عليه اخوه كليب لانه كان يحب مجالسة النساء ,ولم يكن الزير اعظم فرسان عصره فحسب بل كان أكثرهم ابداعا في الشعر والمروءة والكرم ونصرة الضعيف والشجاعة وعفة النفس.
كليب عندما طعنه جساس لم يكتب بدمه عشر ابيات شعر على الصخرة ,وهي الابيات التي انشدت في المسلسل ,كليب عندما عاجله جساس بطعنة الرمح كانت في مقتل ,ولن يتنسى لرجل في مقتل ان يأخذ من دمه ويكتب به عشر ابيات شعر بطبيعة الحال ,فضلا عن ان كل المرويات تقول أن ابن عم جساس اجهز عليه فورا وقطع رأسه, فضلا عن أن الشعر في حد ذاته ركيك لدرجة انه لا يشبه شعر الجاهلية في مكان !
الزير لم يقع عن حصانه ويكسر ظهره عندما واجه الحارث بن عباد ,ولم يدل الحارث على صديقه ليقتله عوضا عنه ,ولم يفقد الذاكرة ويغيب عن المعارك ,بل غاب لمدة عامين او عام ونصف عن المعارك لجرح بليغ اصابه وكان في طور العلاج منه وكان يقود جيش التغلبيين وقتها ابو نويرة ,ويقال ان الزير شارك في معركة وهو مصاب بجرح بليغ في كتفه.
ابنة الزير فاطمة تزوجت ملك قبيلة كندا وانجبت الشاعر الكبير أمرؤ القيس ,أي ان الزير كان جدا للشاعر الفذ.
لم تنتهي ملحمة البسوس بعد رحيل الزير ,اذ سرعان ما تجددت مع قائد التغلبيين الشاعر والفارس عمرو بن كلثوم ,لكن سرعان ما تم اخماد نارها عبر الصلح.
وهناك اخطاء اخرى كثيرة لكن نكتفي بهذا القدر .. وكل ما ورد من حقائق تاريخية مستقاة من كتب ( المفصل في تاريخ العرب المجلد الأول ) ( الأعلام في الجزء الثامن للزركلي ) ( أيام العرب في الجاهلية ) ( العقد الفريد الجزء الثاني ) ( الكامل في التاريخ لابن الاثير) .. وايضا من موقع مميز على الفيسبوك يعني بالتاريخ والغريب أن اسم الموقع على اسم مسلسل الزير وسأضع رابطه في أول تعليق لمحبي التاريخ قد يكون مفيد لكم وممتع بما يطرحه من أفكار مميزة.
ابداع في الاخراج من حاتم علي
اذا قبل أن نذكر الفوائد من اعادة مشاهدة المسلسل عبر اسقاط احداثه على واقعنا الحالي واستقاء العبر الهامة .. اشير فقط لأمر مهم في المسلسل ..
كان حاتم علي بارعا في استخدام بعض المؤثرات التي يشعر بها المشاهد طيلة المسلسل لكنه لا ينتبه لها بكونها تفصيل منفردا ,, سأورد مثال فقط وأترك الباقي لكم لاستنتاجه من المسلسل نفسه ..
عمد حاتم الى استخدام اللون الاسود في لباس وحياة بني تغلب ,قد يقول البعض ان هذا أمر عادي كون أنهم حزينون على مقتل ملكهم كليب ,لكن الأمر ليس كذلك ,ولم يكن اللون الاسود كناية عن الحزن ,وإن كان كذلك عندما مات كليب وبدأت الحرب, فيما بعد اصبح اللون الاسود دليل الحقد والثأر والغل الذي يكمن في نفس الزير ومن معه وجعلوهم حفنة من القتلة والسفاحين دون أي مبرر وخاصة أن الزير قتل الكثير الكثير من رجال بني بكر مقابل دم أخيه , فما عاد هناك مبرر للقتل وخاصة ان كليب طغى وتجبر على قومه وابناء عمومته ويستحق العزل أو القتل ! وبقي هذا اللون الاسود مرافقا للزير حتى مماته بدلالة من المخرج أن السواد الذي ينتجه الثأر وذلك الغل ,لن ينتهي إلا بموت صاحبه !
وفي المقابل ,عمد حاتم علي الى منح البكريين اللون الترابي البني ,وهو اللون الذي لاحظناه في لباسهم وحياتهم وبيوتهم ,وهو يدلنا على أن اللون الترابي هو لون العزة والكرامة والتمسك بالارض ,وهو ما كان حال البكريين ,والذي ما دفعهم لخوض الحرب الا جبروت وظلم كليب لهم.
وقد أجاد حاتم علي في دفعنا دون ارادة منا للانصهار في هذه الرؤية الدرامية التي تجسد عمق الملحمة.
ناحية اخرى هامة جدا .. وسأعطف عليها بشكل بسيط .. وتلخص رؤية الكاتب او المخرج في قصة الزير سالم .. وهي نهاية الزير سالم !
تقصد المخرج والكاتب أن تكون نهاية الزير مغايرة لكل ما عرف عنها, هم ارادوا أن يذلوا الزير ويكسروا ظهره ,ويبتعد عن قومه وهو يجر حمارا ,وهو قائد الجيوش واعظم الفرسان ,كي ينال عقاب ما جنته يداه من قتل ابرياء لا ذنب لهم في هذه الحرب لقاء دم أخيه الذي لا يريد له مقابل ,إنما يريد القتل فقط.
والبعض قال أن حاتم علي بذلك زور التاريخ ,وهذا صحيح ,ولا يجوز ,لكن هي ضرورة درامية ارتاءها ,مماثلة لتلك التي ارتاءها عدد من الذين عالجوا رواية الفيلسوف العظيم ( غوته ) ,والذي بموجبها باع الدكتور فاوست روحه للشيطان مقابل تحقيق امنياته ,غوتيه في روايته حكم على دكتور فاوست بالفناء مع الشيطان ,لكن هناك بعض من عالجوا الرواية غيروا النهاية الى ان الملائكة تأتي لتنقذ دكتور فاوست لأنه ( وإن تعامل مع الشيطان ) لكنه كان رجلا طيبا ونبيلا ويساعد الجميع ولا يستحق تلك النهاية,, اذا هي رؤية درامية ,وقد يكون حاتم علي لجأ الى ذلك التغيير ظنا منه أن نهاية الزير سالم لم تكن صحيحة في الكتب والمرويات اذ لابد لكل طاغية ان ينال جزاءه !
ماذا نستفيد من مشاهدة مسلسل الزير سالم ؟
أولا .. السلطة المطلقة مفسدة مطلقة !
كما قال الفيلسوف ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون ,فإن ما أسس لهذه الحرب هو جبروت كليب عندما نصب كملك ,واصبحت كل السلطات في يديه دون اي مشاركة من احد ,وهذه العبرة استمرت عبر القرون الطويلة ,فكل حاكم مطلق الصلاحية كان بالضرورة مستبدا وخطر على كل من حوله ولنا في هتل.ر مثال حيث ان السلطة المطلقة التي تمتع بها شعلت الحرب العالمية الثانية الذي ازهقت أرواح ما يربو عن مئة مليون انسان ! ولغاية الان هذه السلطة موجودة في دول العالم الثالث في المناصب السياسية والدينية وبسببها نرى الفساد ينخر في جسد هذه الدول.
ثانيا .. الاتحاد قوة !
للاسف أننا اضعنا البوصلة كشعوب عربية في ما يخص الوحدة ,عندما تم تفريقنا الى دول عبر اتفاقيات رسم حدود وتقيسم ,وبعد الاستقلال ,عوض أن نعود للوحدة ,كرسنا واقع هذه الاتفاقيات بأن اصبحنا دول متفرقة ونحتفل باعياد الاستقلال ولكل دولة علمها وكل شخص يفاخر ببلده لا يفاخر بأنه عربي القومية.
في ملحمة حرب البسوس ,كان اتحاد قبيلتي بكر وتغلب كافيا ليهزموا ملكين من اعتى ملوك زمانهم ومكانهم ,لكن عندما تفرقوا وتناحروا ,خسروا كل قوتهم وأصبحوا مطمعا للجميع.
ثالثا .. لا تثق بالتاريخ !
عندما تراجع المراجع التاريخية التي وثقت حرب البسوس أو قصة حياة الزير سالم تنصدم بكثرتها وكثرة المرويات التي كتبت عنها ,وتقريبا هناك خلاف في كل شيء فعلى سبيل المثال فقط .. تخيلوا أن أكبر خلاف سيفاجئكم هو خلاف حول تحديد مكان حدوث الحرب ومكان وجود هذه القبائل !!
فالبعض قال أنها في ظهران اليمن ومكة ( الطريق الواصل بينهما ) ,والبعض قال أنها بغرب مكة ,والبعض قال في نجد ,والبعض قال في شمال الجزيرة العربية وجنوب العراق والبعض قال أنها في بلاد الشام .. وأنا اعتمدت على قراءات تاريخية عن قبائل العرب لاستنتج أنها في شمال شبه الجزيرة العربية ,لكن لا حقائق موثقة بالتاريخ ولا تواتر حول المكان !
وذلك يدفعنا بأن لا نصدق ما يروى لنا ,وان علم التاريخ من اضعف العلوم ,فهو لا يخضع للتجربة ولا يمكن التحقق منه ,عدا عن كونه مليء بالزيف والاكاذيب ,ولهذا دائما ما نقول أن التحقق من أي مرويات مهما كان منشأها وخاصة المرويات الدينية ,هو لزاما على كل شخص ,فإذا كان التاريخ الحديث الذي نعيشه يتم تزيفه كل بحسب هواه وميوله ,فما بالك بتاريخ كتب من 14 او 15 قرن خلت !؟
رابعا .. لا تجعل الحقد سلوكا لك !
في أهم العبر المستقاة من ملحمة البسوس أن الانسان يمتلك من الغرائز الكثير ,وعليه أن يجعل استعمال غرائزه في المتوسط دوما ,كغريزة السلطة مثلا ,فغريزة السلطة مهمة لتدفعنا نحو الافضل ,لكن لا لتجعلنا مستبدين في سلوك حياتنا متسلطين على الاخرين ,إن غريزة الثأر التي توطنت نفس الزير تجاوزت حد اقامة الحد بالقصاص من قاتل اخيه لحدود لا نهائية من القتل والحقد والغل والكراهية والتي بسببها كاد ان يفني القبيلتين لقاء دم شخص واحد , وهنا يظهر القرآن الكريم ليحذرنا من تلك الامراض النفسية وينصحنا بالتهذيب وأن القرآن شفاء لما في الصدور من تلك الاحقاد والغرائز الكريهة ,وكم نحن بحاجتها الان تحديدا في وقت تمور فيه الصدور بالاحقاد بين ابناء الوطن والملة والديانة والقومية الواحدة !
خامسا .. حدثني عن التكافؤ !
عندما قتل جساس كليب ,قتله بجريرته بحق الناقة ! ,, ايقتل انسان بناقة !؟ .. نحن نعطف ونحب كل الحيوانات وندعو الى سلامتها والرحمة بها ,لكن الناقة من الحيوانات المحلل اكل لحومها حتى في الاسلام ,ومهما كانت جريرة كليب فلا يجوز قتله بناقة قتلها في ساعة غضب !
اذا اسقطنا ذلك التكافؤ على حياتنا اليومية المعيشية الحالية, نفاجئ بكم من البشر يقطعون علاقاتهم مع ذويهم وارحامهم واصدقائهم واقاربهم ومحيطهم ,لاجل اشياء سخيفة جدا ,لا توازي قيمة الرحم ومعاني الصداقة والمحبة ,فلا تحدثني عن القيمة قبل أن تحدثني عن التكافؤ !
سادسا .. التعصب شر البلية !
المتابع لملحمة حرب البسوس أو قصة حياة الزير سالم من الكتب والمراجع يفاجئ بكم القبائل التي اشتركت في الحرب سواء مع هذا الطرف أو ذاك, فقط لصلة القرابة او المصاهرة او الدم ,دون ان تتحقق هل هي مع الطرف الظالم أو المظلوم !
وهو الأمر المطابق لحالنا اليوم , فنحن لا نفكر من الظالم والمظلوم ,ننقاد الى الوقوف على الضفة التي نرى فيها تعصبنا الديني او القومي وبلغ بنا الأمر حتى للتعصب الفني .. بأن نناصر مطرب او فنان من بلدنا على اعداءه من بلد أخر دون ان نتعب انفسنا عناء التحقق هل هو على صواب أم أنه المعتدي .. فهل بعد تلك الحماقة .. حماقة !؟ ومتى نستيقظ من ظلام التعصب الأعمى لنرى نور الحق ساطع من خلفه !؟ وأن نفهم .. ان المجد هو أن تنهض بعد كل مرة تسقط فيها .. والمجد لا يكون في عدم السقوط .. كما قال كونفوشيوس.
الخاتمة
هي مجرد اسقاطات من هذه الملحمة الكبرى حرب البسوس أو قصة الزير سالم , يجب أن ننتبه لها لأنها تشكل اساسيات في حياتنا ومجتمعنا وأمتنا وتعطينا إلمعات وحلول يجب التوقف عندها وتأملها .. ويجب أن نفهم أن الرواية التاريخية هي من أصعب أنواع الروايات وتحويلها لعمل درامي هو أصعب انواع الاعمال, لما تحمله كل رواية من أحداث أغلبها مزيف كقصة الزير سالم التي تم تأليفها في القهاوي من قبل الحكاواتيه والقصاصين ,وغيرها الكثير من الاحداث التاريخية الهامة والتي اعتمد بها المؤرخون على الاستنتاج أكثر من التوثيق ,وهذا ما دفع نابليون بونابرت للقول ,, أن التاريخ ما هو إلا خرافة يتم الاتفاق عليها ! .. ودفع تشرشل للقول .. ان التاريخ يكتب بواسطة المنتصرين .. وأنا أقول .. ان أصدق شيء في تاريخ أي أمة .. أنه يعيد انتاج نفسه دائما !