ما الذي تعرفه عن الدروز الموحدين !؟

ما الذي تعرفه عن الدروز الموحدين !؟ يعتبر الجهل من كبرى المشاكل التي تعتري مجتمعاتنا ,ومن صنوف الجهل يظهر لنا جهلنا ببعضنا البعض كمكونات عقائدية وفكرية ,فإن فرض علينا رجال الدين أن نتشرذم الى ملل وطوائف وأن يكون حالنا كذلك ,فلا أقل منها أن يتعرف كل منا الى الأخر ,فمن يعلم .. ربما بهذه المعرفة والتقارب يحصل الوئام المنشود !
بقلم : المحامي هادي بازغلان
ما الذي تعرفه عن الدروز الموحدين !؟
من بين المكونات السورية الاصيلة تظهر جماعة الدروز الموحدين ,ومن المعروف أن هذه الجماعة انشقت من الإسلام كغيرها من الجماعات العقائدية الفكرية وأسست مذهبها الخاص بها ,وسنحاول في قادم السطور أن نلقي ضوء بسيط على طائفة الدروز الموحدين ,كيف نشأت ومرجعيتها وأهم ما يميزها ,ولا يمكن ضمن مقال ولا عشرات المقالات أن نشمل طائفة الدروز الموحدين ,إنما هي معلومات للمعرفة ونواة بسيطة لمن أراد أن يتوسع بالبحث بنفسه.
لنحفظ هذه الأسماء جيدا ( حمزة بن علي ومحمد بن اسماعيل الدرزي والحسن الاخرم ) تعتبر هذه الأسماء المؤسسة للمذهب التوحيدي ,وقد عرفت في مصر في عهد الخلفية الفاطمي السادس ( الحاكم بأمر الله ) في عام 400 هجري وما سبقه وما تلاه كما سنتابع.
أقرأ أكثر :
- الليبرالية الاسلامية ,هل تصلح نظاما للحكم !؟
- ما هي هوية لبنان منذ استقلاله في 1945 !؟
- الكونت دي مونت كريستو ,الرواية التي دخلت السينما ولم تخرج !

فكرة عن ديانة الدروز الموحدين والنشأة
كتلخيص لفكرة الديانة الدروز الموحدين ,يمكننا الاستعانة بالكاتب عيسى طنوس ,وهو من ترجم الكتاب الموسوعي ( دين الدروز ) للمؤرخ الفرنسي سيلفستر دي ساسي وقال في تلخيص الكتاب :
- ( الدروز, ويسمون أنفسهم الموحدون هم طائفة و إثنية دينية عربية تُدين بمذهب التوحيد ذو التعاليم الباطنية؛ الذي تعود أصوله إلى مذهب الإسماعيلية إحدى المذاهب الإسلامية، وإلى الدولة الفاطمية بالقرن العاشر الميلادي، كما ترجع جذور الدروز إلى غرب آسيا. ويطلقون على أنفسهم اسم أهل التوحيد أو الموحدون. يقدّس الدروز النبي شعيب أحد أنبياء العرب، الذي يعدونه المؤسس الروحي والنبي الرئيسي في مذهب التوحيد. والمذهب التوحيدي قائم على تعاليم حمزة بن علي بن أحمد والخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله والفلاسفة اليونانيين القدماء مثل أفلاطون وأرسطو وفيثاغورس وزينون الرواقي. وتذكر بعض الأبحاث أن الطائفة الدرزية تأسست في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي (411هـ/1020م) على يد محمد بن إسماعيل الدرزي، ولكن بعضها ذكر أن المؤسس الفعلي هو حمزة بن علي بن محمد الزوزني وهو من وضع كتبهم الدينية، وأن الرجلين اختلفا، فهاجر الأول (محمد بن إسماعيل الدرزي) إلى بلاد الشام، واشتهرت الطائفة باسمه، لكن الدروز لا يفضلون هذه النسبة، ويقولون إنها لا توجد في تاريخهم أو كتبهم المقدسة. ويعد المقتنى بهاء الدين من مؤسسي المذهب وهو من اقفل باب الاجتهاد والدعوة فيها. )
اذا ديانة الدروز الموحدين تنشأ من التوحيد بالله ,والاعتراف بالرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ,وإن كان هناك خلافات مع الاسلام بشكله المعروف لدى السنة وسنوضح هذه الخلافات بالجزء الثاني لان هذا الجزء سنتناول به فكرة النشوء فقط.

الاشكالية حول شخص الحاكم بأمر الله
وقد ربط المؤرخون الإسلاميون نشوء ديانة الدروز الموحدين بشخص الحاكم بأمر الله وهو الخليفة الفاطمي ,وأن الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم ببداية المقال قاموا بتأليه هذا الخليفة وجعله بمثابة الله لكن في الأرض ,وأدعوا أن لديه صفات الألوهية وأن روح الله قد حلت به ,لكن كل ذلك تم انكاره واثبات أنه كتب من باب الحقد ولا يحمل أي انصاف ,وخاصة أن الحاكم بأمر الله كان عكس ما نسب إليه تماما ! ,وهذه مشكلتنا الازلية مع المؤرخين الإسلاميين ( دون تعميم ) الذين يكتبون التاريخ وفقا لعاطفتهم وميولهم لا استنادا للحقائق بحلوها ومرها وحقيقتها !
دعا حمزة بن علي ومحمد بن اسماعيل الدرزي والحسن الاخرم الى ديانة جديدة هي الديانة التوحيدية ,وربطوا وجودها بشخص الخليفة الحاكم بأمر الله ,وأن روح الله قد حلت بهذا الخليفة وبذلك يعتبر امتدادا لله في الأرض ,وفي الديانة التوحيدية يجاز مبدأ الحلول ( حلول الروح في جسد أخر ) وهي صفات تم اخذها من الصوفية والتي تتلاقى معها الديانة التوحيدية في الكثير من الأمور عدا عن نظرية الحلول فهي تلتقي معها في الأيمان بقهر النفس والتقشف والحرمان والعبادة والابتعاد عن الملذات وأن الروح عندما تتجرد من الماديات تصل الى المراتب السماوية ,لكن الخلاف بين الصوفية والدروز الموحدين يكمن في نظرية الاتحاد مع الخالق التي ترفضها الديانة التوحيدية لأسباب لا مجال لذكرها حاليا.
الوضع الصعب في مصر لانصار ديانة الدروز الموحدين
تلك الدعوات التوحيدية لديانة الدروز الموحدين الممزوجة بالقالب الصوفي لم تلقى رواجا في مصر ,بل أن الحسن الاخرم ومحمد إسماعيل الدرزي ,دفعا حياتهما لقاء تلك الدعوات عند الاحتكاك بالشعب المصري ,و وحده حمزة بن علي قد نجا لقربه من الحاكم بأمر الله ,وقد اختفى بعام 411 هجري ,وهي السنة التي اختفى بها الحاكم بأمر الله واعتبرت سنة محنة في الديانة التوحيدية الدرزية !
وبما أننا في سردية الأعوام ,يعتبر عام 408 هجري ,بداية التقويم الدرزي ويسمى السنة الكائنة ,وسميت كذلك لأنها السنة التي انطلقت بها بشكل رسمي الدعوة التوحيدية.
في عام 411 كما أسلفنا يختفي الحاكم بأمر الله بحسب الروايات الدرزية ,ولكن ما تم ترجيحه أنه تم اغتياله على يد أخته ( ست الملك ) ,ويقول الكاتب والباحث سليمان سليم علم الدين في كتابه الضخم ( الدعوة التوحيدية الدرزية ) حول اختفاء الحاكم بأمر الله ما يلي ( كان اختفاء أو غيبة الحاكم بأمر الله لغزا من الالغاز لا يزال حتى يومنا هذا يلفه الغموض وتحاك حوله الاساطير ! )
ويقول المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان ( كان اختفاء الحاكم بأمر الله كحياته لغزا مدهشا ,بل كان ذروة الخفاء والروع وما زالت قصة هذا الاختفاء و ظروفه وحقيقة عوامله مدعاة للريب والجدل ,ركب الحاكم ذات مساء في أحدى جولاته الليلية وقصد جبل المقطم ثم لم يرى بعد ذلك قط ,لا حيا ولا ميتا ! )
طبيعة الحاكم بأمر الله
والغريب أن الحاكم بالله كان شخصا مختلفا عن طبيعة الحكام والخلفاء والسلاطين ,فهو كان النقيض منهم ,بسيط وزاهد ومتعبد وقريب من الناس ويلبس اللباس الخشن ويكره الجواري وملذات الحياة ويؤمن بالقضاء النزيه ويكره الالقاب ويحرم قتل البقر الذي يستخدم للحراثة ويحرم الصيد دون غاية درء الجوع وحريص أن توزع الاموال على الفقراء دونما حساب لدرجة أن البعض وصفه بأنه امتداد للخلافة الراشدية ,ولعل هذه الصفات هي من جعلت انصار الدعوة التوحيدية الدرزية يرون أن روح الله قد تجسدت به !

شهادة الكاتب فيصل المصري
وقد نفى المؤرخ والكاتب فيصل المصري كل ما نسب للخليفة الحاكم بأمر الله وقال :
يقول إبن خلدون في مُقدَّمته الشهيرة : ( إنَّ ما رُمي به الحاكم بأمر الله غير صحيح، ولا يقبله العقل السليم ) ويقول تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين ( إنَّ جملة القوانين التي أصدرها الإمام الحاكم بأمر الله، جاءت بدافع الشعور الديني لإصلاح النفوس والاخلاق، وتطهيرها من رذائل المجتمع )
و مِن رأي إبن خلدون ومِن قول المقريزي. ومِن أهم فَقِيهين ومؤرخين في التاريخ الإسلامي القديم، استندت في مُدوِّناتي للرَّد على المؤرخين والفقهاء العرب المتأخرين الذين افتروا زوراً وبهتاناً ولفَّقوا الأكاذيب تجاه هذا الخليفة الفيلسوف الإمام الذي زهَت أفكاره وتعاليمه ومعتقداته منذ ألف عام وما زالت.
وفي الواقع هو استشهد بالكثير من الوقائع والكتابات والتصريحات والكتب التي تثبت نقاء شخصية الحاكم بأمر الله ,ويمكنكم العودة لتدويناته وتفحصها والتأكد منها لأنه من المحال أن اسردها كلها في هذا المقال.
اختفاء الحاكم بأمر الله !
ما يهمنا الآن أن الحاكم الذي يجسد الله في الارض وفق نظريتهم قد اختفى ,وشكل ذلك مفترق طرق لأنصار الدعوة التوحيدية الدرزية مع غياب شخص الحاكم ,ونستشهد بما قاله مؤلف كتاب ( الدعوة التوحيدية الدرزية ) السيد سليمان سليم علم الدين في ذلك ( كانت غيبة الحاكم بأمر الله خسارة شديدة وعظيمة للموحدين الدروز فكان حاميهم وكان محور دعوتهم وعمادها واساسها ,فلما غاب الحاكم ضعفت الدعوة في مصر حتى الانهيار وتفرق الدعاة في مختلف البلدان خوفا من اضطهاد غلاة الإسماعيلية ونزح الموحدون الى بلاد الشام )
و وفقا للعقيدة في هذا الدين الجديد فإن الحاكم عندما يختفي سيعود مرة أخرى ,وبناء عليه بدأ عدد من الشخصيات الكبرى التي اعتنقت هذا الدين في ادعاء أن روح الحاكم بأمر الله قد تجسد بها وأنه عاد الى الحياة كـ ( الداعي سكين ) ,وقد تم اعدامه من قبل حامية القصر في مصر ,وظهر رجل قبطي أدعى أنه الحاكم بأمر الله يدعى ( شرووت ) ,ولاقى مصير سابقه ,وظهر غيرهم العديد من المدعين وباءت محاولاتهم بالفشل ,مما أضطر ( بهاء الدين الضيف ) وهو المسؤول عن الدعوة للدين الجديد والمعين من قبل حمزة بن علي ,الى أن يخرج بفتوى بأن الحاكم بأمر الله لن يعود في الزمن الحالي ,وأن عودته ستتأخر وأنها مقرونة بأمور معينة ,وذلك حتى يضمن توقف ظاهرة المدعيين بأنهم يجسدون روح الحاكم بأمر الله وقد أنهى بذلك كل اجتهاد في الديانة التوحيدية !
استحالة البقاء في مصر لانصار الدروز الموحدين
مع استحالة البقاء في مصر لانصار الدروز الموحدين نظرا لما تواجهه الدعوة من ملاحقة وتضييق من قبل المصريين ومواجهات دامية ودائمة معهم ,قرر بهاء الدين نقل الدعوة الى بلاد الشام وتحديدا الى الجبال الجنوبية في لبنان وسوريا وشمال فلسطين ,وكانت تقطن تلك المنطقة قبائل عربية تعود أصولها الى اليمن ,وقد انتشر بها الدين الجديد رويدا رويدا ولاقى رواجا لاقترابه من الفلسفة الروحانية ,وبدأ يطلق على الدين ( الموحدين ) وهو الاسم الذي يحب ابناء الطائفة أن يطلق عليهم ويفضلونه أكثر من لقب ( الدروز ).
انتشرت الديانة التوحيدية الدرزية في ثلاث قبائل رئيسية تتوزع بين جبل حوران وجبال الشوف في لبنان هي ( قبائل رسلان ومعن وشهاب ) ,وكأي ديانة عرفتها البشرية فقد تطورت الديانة التوحيدية عما كانت عليه في مصر ,وتأثرت أيضا ببعض الدعوات والديانات والافكار ,وأكثر ما تأثرت به التوحيدية هي الحركة القرمطية.
عقب انتقال الدعوة التوحيدية الى بلاد الشام كان لزاما أن يكون لدى الموحدون الدروز كتاب خاص بهم يعد مرجعا ,ولم يكن كبار الشخصيات الموحدة تمتلك ذلك السجل ,بل كان لديهم رسائل سميت ( رسائل الحكمة ) ,وقد قام الأمير ( عيسى التنوخي ) وهو أول شيخ عقل للطائفة الدرزية ,بجمع هذه الرسائل وحفظها في كتاب مقدس للموحدين الدروز ,ثم انتقلت الى حفيده ويدعى أيضا ( الأمير عيسى ) ونظمها في ست كتب في زمن الوالي الأمير السيد عبد الله ,وقد سميت بكتب الحكمة كما نعرفها بشكلها الحالي اليوم ,ويمكن القول أن هذه الكتب تشكلت من رسائل منفردة على مدار نحو 400 عام ,بدأت من عام المحنة 411 هجري ولغاية 850 هجري.

التقاء الدروز الموحدين مع الصوفية
وفي التقاء الدروز الموحدين مع الصوفية هناك اتفاق بينهما حول أن التوحيد هو نفي الصفات عن الله تعالى ويتفقون بالقول ( سبحانه لا يظله فوق, ولا يقلّه تحت, ولا يقابله حد, ولا يزاحمه عند, ولا يأخذه خلق, ولا يحده أمام, ولا يظهر قبل, ولا يجمعه كل, ولم يوجده كان, ولم يفقده ليس, وصفه لا صفة له, وفعله لا علة له, وكونه لا أمد له ,تنزه عن أحوال خلقه. )
الخاتمة
تقريبا كانت تلك نشأة ديانة الدروز الموحدين وكيف وصلت الى بلاد الشام وأين استوطنت ,وقد كان للموحدين الدروز صولات وجولات مع شتى القوى التي غزت بلاد الشام بدأ من الصليبيين والمغول وانتهاء بالعثمانيين والفرنسيين ,وكانت لهم حروب أهلية مريرة مع المسيحيين الموارنة في لبنان ,وكانوا في قلب كل مشهد سياسي وتاريخي شهدته المنطقة.
وأخيرا نقول أن هذه الحلقة الأولى هي مجرد تلخيص مقتضب للكتب التي قرأتها ,قد أصيب بها أو أخطأ ,فإذا أخطأت ,أرجو من أصحاب الفكر أن يقوموا الخطأ وذلك بذكر المعلومة الصحيحة مع ذكر المرجع والمصدر كي يستفيد الجميع وأن نبتعد عن المهاترات الصبيانية فكلنا طلاب حقيقة ومعرفة ,وفي الجزء الثاني سنحاول أن نلقي الضوء على معلومات تمس الفكر الديني والفلسفي للطائفة الدرزية عسى أن نجعل هذه المقاربات بمثابة عربون محبة يجمعنا دوما في وطننا نحو الخير والتأخي.