لدغات الأفعى .. قراءة في التنوير الإسلامي
لدغات الأفعى .. قراءة في التنوير الإسلامي
نعرف مصطلح التنوير كعنوان يرافق الكثير من قراءاتنا الأدبية المتنوعة سواء في الدين أو الفكر أو العلم والفلسفة بطبيعة الحال ,لكن كيف نشأ الفكر التنويري ؟ وفي أي عصر ؟ وكيف نشأ التنوير الإسلامي ؟ ومن هم رواده وما الذي جاؤوا به ؟ واخيرا هل تيار التنويري الإسلامي الحالي مفيد للمسلمين أم أنه يحمل ما يحمله في طياته من خبث وخبائث !؟
تجربة فولتير وفكر التنوير
في عام 1775, توجه الفيلسوف الشهير فولتير الى رأس الجبل ليؤدي طقوسه في العبادة , و وقف تحت إشعة الشمس المشرقة في فجر هذا اليوم وهو يقول متوجهاً إلى الكائن الأعظم :
(( إني أؤمن بك، إني أؤمن بك ))
ثمّ فجأة ينتصب واقفاً ويضع قبعته على رأسه وينفض الغبار عن ركبتيه ويستعيد قسمات وجهه المغضن ثم يقول (( هذا بالنسبة لك، أما بالنسبة للسيد الابن وللسيدة أمه , فالمسألة لها عندي شأن آخر ! )) .. وينزل من رأس الجبل !
قد يكون كلام فولتير غريبا لكثير من الناس ,فكيف لمتدين اختيار رأس الجبل ليتواصل مع الله ؟ لما لم يذهب الى الكنيسة ؟ ولما يشكك في المسيح والسيدة مريم ولا يؤمن بهما !؟
أقرأ أيضا في سياق الثقافة العامة:
- الكونت دي مونت كريستو ,الرواية التي دخلت السينما ولم تخرج !
- في فلسفة الجمال ,عبرت الشط على مودك !
- السنة الصينية الجديدة 2024 تبدأ غدا ,تعرف على التقويم الصيني
- محاط بالحمقى ! قراءة تحليلية في كتاب المفكر توماس اريكسون
الكنيسة الغربية ومناهضة فكر التنوير
نترك فولتير جانبا على أن نعود له .. ونرجع بالزمان 13 قرنا .. الى القرن الرابع الميلادي ..
أطلقت الكنيسة الغربية (الكاثوليكية) في القرن الرابع الميلادي يدها في مجال السلطة السياسية الدينية ,وهو القرن الذي شهد بدء انهيار الامبراطورية الرومانية, وبات مركز البابا سياسيا أكثر منه دينيا ,والبابا نصب نفسه وكيلا عن الله في الأرض ,وهو أمر أقره الامبراطور قسطنطين الذي كان أول امبراطور روماني يؤمن بالمسيحية ويجعلها الديانة الاولى للإمبراطورية.
سلطة الكنيسة الكاثوليكية السياسية والدينية في القرن الرابع الميلادي وما بعده ,أسست لنشوء طبقة رجال الدين الإكليروس ,والذين غالوا في التوغل في حقوق الناس وأموالهم وحتى في نسائهم واعراضهم ,وكانت تحالفاتهم مع طبقة النبلاء والاقطاعيين تجلب الويلات على الشعوب التي كرهت الكنيسة التي اعطتهم الحق في امتلاك كل شيء كيفما يحلو لهم !
لم تكتفي الكنيسة بذلك ,وكي يستقر حكمها وسطوتها ,كانت تحرق وتقتل كل فكر مناهض لها ,بل كل فكر يخالف أي من مبادئها المقدسة ,وزج لقفص الحرق مئات العلماء والمفكرين وسط فرح العامة المسحوقين من الشعب بفعل الكنسية لكنهم مؤمنين ايمانا مطلقا بأن الكنيسة على صواب بفعل الترهيب الديني الفكري والعقائدي الذي كان يمارسه رجال الدين على العامة !
تحالف السلطة مع الدين ضد الفكر التنويري
إن تحالف السلطة مع الدين من أقذر التحالفات التي شهدتها البشرية ,وبسببها تم استعباد عقول البشر واجسادهم تحت رهبة السلطة والدين ,الحال الذي شهدته أوروبا في القرون الوسطى ,أسس لثورة فكرية جعلت القرن الخامس عشر يشهد عودة الى تقديس الانسان بما وصف بأنه ( الحركة الهيومانية ) ,والتي سادت أفكارها أوروبا في القرن الخامس عشر وأسست لعصر الاصلاح في القرن السادس عشر ,والذي قامت أفكاره على مناهضة استبداد الكنيسة الغربية ومنع محاربتها للعلم والعلماء والكف على نشر تخاريفها ,هذا العصر الذي مهد للعصر الأشهر في أوروبا والعالم ككل وهو القرن الثامن عشر .. عصر التنوير !
عصر الأنوار
كل ما ذكرته سابقا للوصول الى هذا القرن المفصلي في الحياة البشرية ,والذي تصادم بشكل قوي مع الكنيسة الغربية عبر الثورة الفرنسية في 1789 ونجح في فك ارتباط الدين والدولة ,وأسست للنظم الجمهورية الديمقراطية ومبدأ ( الدين لله والوطن للجميع ) ,, وكانت انتصارا لرغبة الانسان في الحياة والفكر والمعرفة على حساب الجهل والظلام والاستبداد.
وسادت في ذلك القرن أنوار العقل ,سيادة العقل ولا شيء غير العقل ,فكل ما لا يقبله العقل فهو غير مهم ولا يجب أن ننشغل به ونصدقه ,وكل ما يتماشى مع العقل نؤمن به ونطوره .. وسادت أفكار علماء التنوير وأدباءه وفلاسفته مثل جون لوك وايمانويل كانت وفولتير وليسينغ وديدرو ومونتسيكو و روسو وتوماس هوبز وأدم سميث وأديموند بيرغ وتوماس باين وغيرهم الكثير ,,
لكن المغالاة في تقديس العقل ,والافكار التي تدعو لمحاربة الكنيسة وجعلها مركز لبث الخرافات ومحاربة العلم ,أدى لنشوء التيار الالحادي والذي بات يأخذ أكثر من شكل ومنحى ,مما جعل المفكرين ينتبهون الى ذلك وباتت محاولاتهم في القرن التاسع عشر تتجه الى عدم المغالاة في تقديس العقل والعودة الى الروحانية والفطرة البشرية .. ولعل أبرز ما سيق كدلالة على ذلك كانت عبارة العالم البيولوجي تشارلز داروين والذي قال في مراسلته لمساعده هيكسي ..
(( اذ نحن اثبتنا أننا منحدرون من سلاسة قردة ,فكيف لي أن أثق بعقلي !!؟ )) ..
نفسه الفيلسوف الكبير ايمانويل كانط ,والذي كان من رموز الثورة العقلية , انهى حياته ناقضا للعقل بكتابه الشهير ( نقض العقل المحض ! ) ,فسمي هذا القرن بعصر الرومانسية لأنه اعاد للإنسان تقديس الروحانيات بداخله والحفاظ على المنظومة الاخلاقية الكنسية الدينية مع البقاء على الثقة في العقل !
وكل ما سبق يقودنا لفهم سلس لمبحثنا في هذا المقال وهو التنوير الاسلامي .. على أن أعود مستقبلا بمقالات مفصلة عن عصر التنوير لفهمه وفهم مقوماته بشكل أكبر نظرا لأهميته الكبيرة في الفكر الانساني ..
والآن … ماذا عن حركة التنوير الاسلامي ؟
استوحى التنوير الاسلامي , كما عرف حديثا, أفكاره من الثورة العقلية في عصر التنوير الاوروبي ,وقد أجاد الدكتور عبد اللطيف الشيخ الصباغ في وصف حركة التنوير الاسلامي أيما إجادة عندما قال في كتيبه التنوير ومفاهيمه ومصطلحاته ما يلي :
( اذا كان التنوير في حقيقته دعوة عقلانية ,فإن التنوير الاسلامي هو تنوير ديني وعقلي معا, وهو ما يميزه عن التنوير الغربي ( الاوروبي ) وهو تنوير عقلي لا ديني أو معاد للدين مرجعيته الوحيدة هي العقل ولا سلطان على العقل إلا العقل !
أما التنوير الإسلامي فهو تنوير بنور الدين وهداه ,ذلك أن العقل بمثابة العين الباصرة والوحي بمثابة النور أو الضوء ,وعليه لا يستطيع أحد أن ينتفع بعينه إن عاش في ظلام ,كما أنه لن ينتفع بالنور دون عين عقل باصرة ,وهذا التنوير المقصود باستخدام العقل في ظل نور الوحي )
ما ورد ملخص لفكر التنوير الاسلامي الذي نشأ في القرن التاسع عشر والعشرون بمسماه الحديث مع عديد المفكرين العرب الاسلاميين مثل الكواكبي والافغاني والشيخ محمد عبدو وعلي الجندي وقاسم امين وامتد بعد ذلك للشيخ محمد عمارة وفرج فوده وغيره الكثيرين الذين أسسوا منهج التنوير الاسلامي لا ليفعلوا دور العقل مع النص الديني بل ليفهموا النص الديني بموجب أحكام العقل المستوحاة من السياق الديني العام.
وبطبيعة الحال تم تكفير هؤلاء من قبل رجال الدين التابعيين للمنظومة التراثية ,وقلبوا الناس عليهم و وصفوهم بالزنادقة والمرتدين والمبتدعين ,بمشهد يعيد لنا ما فعلته الكنيسة الغربية بكل من ناهض فكرها المستبد الظلامي ,لكن السؤال هنا ..
هل كل التنويرين هم فعلا تنويرين اسلاميين هدفهم اعادة الاسلام لمساره وتنقيحه من الشوائب والسواد الذي اعتم صورته المشرقة !؟
التنويرين الإسلاميون انتهجوا نهج القرآن الكريم ,وكل ما يخالفه يجب ضحده أو إعادة دراسته وفق منهج قرآني سليم مع إعمال العقل في فهم السياق القرآني .. وعليه ينقسم التنويريون الاسلاميون لثلاث فئات ..
☀️ الفئة الأولى .. وهي الفئة التي لم تنسف التراث الديني من فقه وعلماء الائمة السابقين بل أنها طالبت باحترامه وأنه تجربة غنية يجب الاخذ بالايجابي منها لكنها ليست ملزمة لنا في الوقت الحالي ,وطالبت بتصحيح ما هو مخالف للقرآن من نصوص وردت في كتب الفقهاء مبنية على احاديث وسير باطلة اخذت من الرسول الكريم, فهم لم ينكروا وجود السنة النبوية وأنها مصدر تشريع ,لكنهم شككوا بما يعارض منها القرآن الكريم فقط وبشكل واضح جهوري.
☀️ الفئة الثانية .. شككت بكل السنة النبوية باعتبارها مدونة بعد وفاة الرسول بمئات السنين ,وشككوا في السيرة النبوية ومن كتبها ومن عظم في شخصيات الصحابة ,بل أنهم شككوا بوجود بعض الصحابة واعتبروهم شخصيات وهمية تم اختراعها من قبل سلطة التحالف الديني السياسي في ذلك الوقت ,واعتبروا أن فقه العلماء بني على خطأ لانه مستمد من سنة مشكوك في أمرها, وهذه الفئة أقرت بالسنة العملية للرسول ,, كطريقة الصلاة والصوم والعبادات .. الخ.
☀️ الفئة الثالثة .. هذه الفئة لم تشكك فقط في السنة النبوية بل هي ألغت وجودها من الاساس ,بل أنها غالت كثيرا في سياق التنوير وجنحت للعقل ولا شيء غيره ,فشككت في وجود الرسول نفسه في مكة ! وأنه نزل في البتراء ,وأن عهد الخلفاء الراشدين مجرد تاريخ كاذب وان الديانة الاسلامية بدأت في الشام مع عهد الدولة الاموية ,وقالوا بعدم وجود الحج في مكة ,وعدم وجود الصلاة الحركية المعروفة ,وبعض النواهي الأخرى كقولهم أن الخمر ليس بحرام ,كما فسروا القرآن بطرق غريبة كالتقطيع الحروفي ,كأن تأخذ كلمة ( الرحمن ) على سبيل المثال وتقطعها الى ( الر .. حمن ) وتفسر كل طرف بحياله !
العقيدة والتشريع
ونتوقف هنا قليلا لفهم أمر مهم جدا .. وأرجو التركيز ..
تتربع العقيدة رأس المباحث في أصول الفقه ,والعقيدة هي الثوابت التي يمنع الاقتراب منها لأنها تخرج المسلم من الاسلام الى الكفر ,والعقائد الاساسية كما وردت في القرآن هي ( التوحيد بالله لا شريك له ,, الايمان المطلق بأنبيائه وكتبه وملائكته واليوم الأخر والقضاء والقدر ) ,إن الاقتراب من هذه العقائد بإلغاء أحدها لا تجعلك مسلما ولو وردت بنص نبوي فإنه يرد فورا دون نقاش .. كأن يورد حديث نبوي يقال فيه عن الرسول أنه قال ( أن الملائكة ليست موجودة ) .. هذا الحديث يرد فورا وهو حديث مكذوب ولو كان سنده متصلا وصحيحا لانه يمس العقائد الاساسية في الاسلام.
لكن هناك مباحث أخرى ليست من العقيدة ,كالصلاة والصيام والعبادات والتعاملات والنواهي .. الخ, الموجودة في القرآن ,ومخالفتها لا تخرج المسلم من الاسلام ,على سبيل المثال ,من فوت صلاة أو لم يصلي ,أو لم يصم ,أو لم تردي الحجاب ,أو تناول خمر أو كذب أو زنا … الخ .. كل هذه الأفعال تجعل من المسلم مسلما عاصي أو مذنب وعليه أن يتوب منها ويستغفر الله عن ما فعله ,وإن مات على ذلك ,فحسابه عند الله كمسلم عاصي ومذنب ,والله قد يرحمه وقد يعاقبه بحسب ما اذنب وعصى في الدنيا ,لكنه يبقى مسلما لأنه لم يمس العقائد الاساسية في القرآن الواردة سابقا.
هذا المنهج ضروري جدا لتفهم الفرق بين العقيدة وبين التشريع ,فلا يضحك عليك أو يتم ترهيبك بأنك خرجت من الاسلام لأنك لم تصم رمضان على سبيل المثال , وهو منهج ضروري لفهم فكر التنويريين لنفهم من منهم يريد الخير للإسلام والمسلمين ,ومن منهم استغل موجة التنوير ليبث سمومه في الدين ويزعزع ايمان المسلم.
وعليه ,عندما تشاهدون محاضرات وفيديوهات وكتب لعلماء تنوير تتناول اصلاح الدين وتقويمه مع الحفاظ على اسس العقيدة وعدم المساس بها ,فكل ذلك يعتبر نظريات قابلة للنقاش والاخذ والصد بحكم فهم آيات القرآن وتدبرها , لكن عندما تشاهدون ( تحت وصف تنوير اسلامي ) محاضرات لاحد الاشخاص يطعن بها بثوابت العقيدة كأن ينفي وجود رسل أو ينفي احد صفات الله المطلقة أو يشكك في الجنة والنار والقضاء والقدر , فهنا عليكم الحذر الشديد لأن المساس بثوابت العقيدة تخرج المسلم من الاسلام الى الكفر.
وبناء عليه ,ليس كل منهج تنويري يراد به الخير للاسلام ,وكثر في الأونة الاخيرة وجود شخصيات تنويرية تشكك في كل شيء تمهيدا للتشكيك في اسس العقيدة ,فيبدأون تحت مسمى ( العقل ) في التشكيك في الصلاة الحركية وفي أخلاق الرسول الكريم ,وفي أحكام بعض الآيات القرآنية كآيات الورث والربا وشرب الخمر ,,, الخ ,, للوصول الى ما هو اكبر والتشكيك في العقيدة نفسها !
فولتير .. وفكر التنوير والصدام مع العقل
لما شكك فولتير بوجود السيد المسيح والسيدة مريم عليهما السلام ؟ ولكنه لم يشكك بوجود الله كخالق عظيم ومدبر لكل خلقه !؟
إن مبدأ فولتير يسمى .. المبدأ الربوبوي .. وهو باختصار أن يؤمن الشخص بوجود خالق مدبر كلي القدرة وعظيم الشأن ,لكنه لا يؤمن بأن هذا الاله العظيم أرسل أنبياء ,أو ديانات ,عن طريق ملائكة تنقل الوحي للبشر !
وهنا نجد الصدام العقلي بإبهى صوره في عصر التنوير ,فكيف يمكن ( وفق تقديس العقل ) تخيل وجود إله كلي القدرة والرحمة والتدبير ,لكنه لا يمنع الشر ويقف متفرجا عليه !!؟ .. الشر .. تلك هي الصخرة التي تكسرت عليها كل نظريات المؤمنين كما قال الشاعر والفيلسوف ليسنيغ !
كيف لاشخاص مفكرين ويقدسون العقل ,كفولتير ,أن يؤمن بوجود هذا الإله ؟ وبوجهة نظره .. كيف لهذا الإله أن يسمح بوجود هذه الكنيسة التي تظلم البشر وتحد العلم وتقتل العلماء وتوغل في حق الفلاحين وأموالهم !؟
ومن هنا جاءت نظريات عديدة لردم هذه الهوة ما بين الاعتراف بوجود إله كلي القدرة والرحمة ,وما بين نظرية أنه منصرف عن البشر والشر الذي يحيق بهم ,كنظرية إله الفجوات التي قدمها الفيلسوف باروخ اسبينوزا ,أو نظرية صانع الساعات الدقيق التي قدمها نيوتن ,, وهناك نظريات أخرى لكن لسنا بصدد شرحها الآن وانما نعطي فكرة بسيطة عن صدام العقل في عصر تم فيه تقديس العقل لحدود لم يدركها العقل نفسه !
ولكن ماذا عن الاسلام !!؟
عبر الزمان ,شهدت الدولة الاسلامية منذ الخلافة العباسية ظهور ( ربوبين ) أمثال فولتير ,يؤمنون بوجود الله لكن لا يؤمنون بوجود الانبياء ,وهم كثر ,واغلبهم علماء مرموقين كأبو بكر الرازي وابن الرواندي وابن حيان التوحيدي وابو العلاء المعري وابن رشد وابن سينا وابن رشيق والفارابي .. وغيرهم .. مع تفاوت درجة ربوبيتهم ! .. فبعضهم قال عنهم الكواكبي بأنهم أمنوا بالعقل والتنوير ورفضوا استبداد جماعة المنظومة التراثية ,وأورد الوصف في كتابه طبائع الاستبداد بما يلي :
( فكما أنه ليس من صالح الوصيّ أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعيةُ بالعلم؛ [فـ]ـلا يخفى على المستبد -مهما كان غبيا- أنْ لا استعبادَ ولا اعتسافَ إلا ما دامت الرعية حمقاءَ تَخبط في ظلامةِ جهلٍ وتِيهِ عَمَاءٍ )
وبالتالي فإن هؤلاء ,بوجهة نظر الكواكبي ,كانوا رجال فكر وعقل وارادوا كسر الظلامية والاستبداد والخروج الى نور العقل والتنوير ,وأنه قد تم الدس عليهم والمغالاة في وصفهم ملحدين ,وأن وصف الالحاد بمعناه المعروف حاليا لم يكن موجودا في الأمة الاسلامية ,ولا في اوروبا أصلا ,وأن الالحاد نشأ مع القرن الثامن عشر كمفهوم واضح المعنى ذو قواعد راسخة سنشرحها لاحقا بإسهاب للتعريف بالإلحاد ومخاطره الكثيرة.
وأختم ..
قد تسأل الآن ,, أنا كمسلم ماذا افعل ؟ هل ألحق أهل التراث وعلماءهم ؟ وبالتالي اي مذهب أو ملة تعبر عن الاسلام الحقيقي ؟ .. أم هل ألحق علماء التنوير واختلاف تياراتهم ؟ .. وأي تيار هو الصحيح ؟
في واقع الأمر ليس عليك من كل ذلك , ولا تصدع رأسك بكل هذا , اجعل فهمك واحاطتك بكتاب الله هي اساس منهجك ,وخذ من كل بستان زهرة , فالحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها يعمل بها ,وأعلم أن الايمان نصفه تسليمي ونصفه عقلي ,فلا ايمان بالعقل وحده ولا ايمان بالتسليم دون عقل , عليك ان تفهم القرآن والاسلام بعقلك وبروحك المؤمنة بوجود الله القادر على كل شيء وأن تصل له بعقلك لا بأنك ولدت مسلما فقط ,وان تفهم أنك قد لا تفهم الكثير من الأمور بعقلك لأنك لست إلها ,, ولست مهيأ لفهمها ,لذا خذ بالقواعد الاساسية والضوابط والنواهي الموجودة بالقرآن وأعلم أن الله قال في كتابه ( أن من عمل صالحا دخل الجنة ) فلا ترهق نفسك إلا بالعمل الصالح.
وعليه, آمن بعقلك وفهمك أنت فلن تحاسب على سواه, ولا تؤجر عقلك للقائمين على المنظومة التراثية وتسلم بكل ما ورد فيها من طلاسم وخرافات وتشويه للدين ,ولا تسلم عقلك لبعض من يدعون التنوير ,وكلامهم وافكارهم في حقيقة الأمر لا تعدوا عن كونها .. لدغات الأفعى !
مصادر:
كتاب الشيخ عبد اللطيف الصباغ