البندقية تسعى لتخفيف السائحين في 2024 وفرض رسوم عليهم

يبدو العنوان غريب لأن المألوف هو العكس, فكل المدن تحاول استقطاب السياح لكن البندقية تسعى لتخفيف السائحين في عام 2024 وذلك عبر فرض رسوم على اقامتهم فيها ,فما القصة ؟ وهل مدينة البندقية الجميلة مهددة فعلا بالانقراض ؟ وما مقدار الرسوم ؟ ومن هم الاشخاص الذين يشملهم العفو من هذه الرسوم ؟ وهل البريطانيون مشمولون بهذا القرار السياحي الغريب !؟

---

البندقية تسعى لتخفيف السائحين في 2024

تعتبر مدينة البندقية (فينيسا) في ايطاليا, من أجمل المدن السياحية في العالم قاطبة نظرا لتميزها بأمر معين وهو أنها المدينة العائمة التي تخترق المياه ابنيتها عوضا عن الشوارع المألوفة في باقي المدن.

المنظر العائم الجميل في تداخل البحر في المدينة لم يكن فقط المعلم الوحيد الذي يميز المدينة الجميلة, فالبندقية تعتبر مدينة ثقافية تراثية مليئة بالنشاطات والأماكن الحيوية والتي يعبق بها التاريخ ويمتزج مع الحضارة ليكون لوحة فريدة من نوعها تستقطب ملايين الزوار كل عام.

عدا عن كون البندقية من أشهر المراكز التجارية في القرون الوسطى, وكانت بوابة اوروبا للتجارة مع بلاد الشام وشمال افريقيا وخاصة تجارة التوابل التي تأتي من الهند. ولا يزال ميناءها الذي شهد اكبر العمليات التجارية منذ قرون شاهد على تلك الحقبة المزدهرة من تاريخ المدينة العريقة.

ولكن يبدو أن توافد السياح الكثيف على المدينة اصبح يشكل عبء عليها أكثر مما يدر لها من أموال وامتيازات ,الأمر الذي جعل مجلسها المحلي يقرر فرض رسوم على السائحين الوافدين للمدينة. لكن السؤال هنا .. لما البندقية تسعى لتخفيف السائحين ؟

لما البندقية تسعى لتخفيف السائحين وفرض رسوم عليهم؟

منظمة اليونيسكو نشرت في أحدى دورياتها أنها تدرس بشكل جدي اضافة مدينة البندقية الشهيرة الى قائمتها التي تحتوي على مدن أثرية تراثية مهددة بالانقراض !

وقد ذكر التقرير أن السبب يعود لكثرة السائحين القاصدين للمدينة والتي ارتفعت اعدادهم بشكل كبير ما قبل جائحة كورونا لتصل الى 25 مليون سائح سنويا, وهذا العدد بحسب الجهات المختصة بصناعة السياحة والسفر في العالم مرشح للتصاعد ليصل الى 38 مليون سائح بحلول عام 2025.

هذا العدد الكبير جدا من السواح يشكل ضررا كبيرا وضغطا هائلا على المدينة, البندقية تسعى لتخفيف السائحين لتجنب هذا الضرر الذي بات يهدد هوية المدينة التراثية كلل ويهدد تلويث المياه جراء الاعداد الهائلة من السائحين.

أقرأ أكثر في مجال السياحة :

عروض Eurostar Black Friday مع 39 جنيه استرليني للتذكرة

أشهر شركات الطيران الاقتصادي منخفضة التكاليف العاملة في بريطانيا 2023

5 من كنوز لندن الخفية التي ستبهرك حتما !

الأسر الاصلية في البندقية هجرت المدينة

في نفس التقرير ذكر أن سكان المدينة القديمة في البندقية هجروا منازلهم لتأمين متطلبات حياتهم التي باتت مرتفعة جدا.

يسكن في المدينة القديمة لفينيسا نحو 150 ألف نسمة وقد انخفض هذا العدد حاليا الى نحو 50 ألفا فقط, والسبب أن السكان الاصليين يعهدون ببيوتهم الى شركات سياحية مختصة لتأجرها للسائحين على مدار العام وتؤمن لهم مصدر رزق يتعيشون منه ويعينهم على صعوبات الحياة المرتفعة وخاصة في السنوات الأخيرة عقب انحسار وباء كوفيد وما خلفه من أثار اقتصادية سلبية على القارة الاوروبية بأسرها.

الجهات المسؤولة عن مدينة البندقية تسعى لتخفيف السائحين كي لا تفقد المدينة هويتها عبر فقدان ساكنيها الأصليين وهجرتهم الى الداخل نحو المدينة الحديثة. ومحاولة تنظيم تأجير البيوت والمنازل بطريقة معتدلة.

إن تنظيم هذه السياحة ليس بالأمر اليسير لكنه ممكن وخاصة عبر تحديد الزوار في الأوقات والأيام التي تعتبر من الأكثر ازدحاما في البندقية ويصل بها عدد الزوار الى نحو 120 ألف سائح وبعضهم يقيم لفترات ليست بالقصيرة, وذلك يتعدى التمتع بجمال المدينة ورؤية معالمها السياحية الاثرية والثقافية المميزة.

وبذلك ,أصبح سكان المدينة يتخلون عن منازلهم لفترات طويلة وليست بالأيام فقط. هذا الأمر جزء مهم من فهم سؤالنا حول لما البندقية تسعى لتخفيف السائحين في العام المقبل؟ ولكم أن تتخيلوا ان علماء الديمغرافيا السكانية توقعوا أن مدينة البندقية ستكون خالية من سكانها تماما في عام 2030 !

السياحة الرخيصة أحد أسباب مشكلة مدينة البندقية

أثرت شركات السياحة والطيران الرخيصة عبر عروضها الكثيرة والمتعددة على مدار السنة على المدينة الايطالية العريقة وجعلت البندقية تسعى لتخفيف السائحين قدر الإمكان وإعادة النظر في السياحة ككل.

إن الحشود المزدحمة حول جسر ريالتو وساحة سان مارك في وسط المدينة القديمة باتت تضر بهوية البندقية الأثرية, وقد ذكر إيمانويل دال كارلو، وهو ايطالي من مواليد مدينة البندقية ,مؤخرًا كيف شاهد المدينة التي نشأ فيها وهي تتغير بشكل كبير. أصبح هذا الرجل الإيطالي وغيره من ابناء المدينة الجميلة مقتنعًا بأن إيجارات العطلات الرخيصة والمتاحة بسهولة كانت جزءًا من المشكلة والتي كانت السبب في أن البندقية تسعى لتخفيف السائحين.

• “إنه سوق عالي التردد مدفوع بالربح. كلما زادت مبيعاتك، كلما كان ذلك أفضل. لقد خلقت هذه الدوامة. السياحة مورد ونشاط عظيم، ولكن لها جانب مظلم للغاية. عندما يكون ناجحًا للغاية، فإنه يغير المجتمع. وهذا ما رأيناه في البندقية».

وقد شارك أغلب السكان المحليين لمدينة البندقية نفس أفكار وكلام ايمانويل وبعضهم وصف الوضع بأنه أسوأ بكثير.

ما مقدار الرسوم التي فرضتها البندقية على الزوار والسائحين؟

مخطط دفع الرسوم لدخول مدينة البندقية

سيتم تطبيق الرسوم لدخول مدينة البندقية في عطلات نهاية الأسبوع والأيام الأخرى بين شهر أبريل ومنتصف شهر يوليو, وذلك بإجمالي 29 يومًا، حسبما تم الإعلان عنه هذا الأسبوع.

كما سيتم فرض رسوم الرحلة اليومية على أولئك الذين يدخلون المدينة بين الساعة 8.30 صباحًا و4 مساءً. وهذا يعني أن الزوار الذين يأتون إلى البندقية لتناول العشاء أو حفل موسيقي لن يضطروا إلى الدفع.

البندقية تسعى لتخفيف السائحين لكن هناك مستثنون من هذه القرارات وعلى رأسهم ابناء المدينة بطبيعة الحال ومن في حكمهم. حيث لا يحتاج المقيمون والزوار المولودون في مدينة البندقية والطلاب والعمال، وكذلك السياح الذين لديهم حجوزات فندقية أو أماكن إقامة أخرى، إلى دفع الرسوم. إذا لم تكن معفيًا، فسيتعين عليك تسجيل زيارتك مسبقًا على موقع الويب الذي سيتم إطلاقه في 16 يناير.

كيفية دفع الرسوم والحجز لدخول مدينة البندقية؟

يدفع المسافرون النهاريون من السواح والزائرين لمدينة البندقية مبلغ وقدره 5 يورو (4.30 جنيهًا إسترلينيًا) ويحصلون على رمز الاستجابة السريعة الذي سيتم فحصه عند نقاط التحكم في سبع نقاط وصول حول المدينة.

واحد منهم في محطة القطار الرئيسية. إذا كان لديك حجز فندق، فسوف تتلقى رمز الاستجابة السريعة عبر الموقع الإلكتروني ولكن لن تضطر إلى الدفع، حيث أن الرسوم متضمنة في سعر الغرفة.

وكان من المقرر أن يبدأ أولاً في يونيو 2022 ثم يناير 2023، وقد واجه المخطط سلسلة من التأخيرات حيث كانت أعداد الزائرين تكافح للتعافي من الوباء. وعندما يدخل حيز التنفيذ العام المقبل، سينطبق على الزوار الذين يزورون “المدينة القديمة”.

وطبعا هذا هو الجزء من مدينة البندقية الذي يفكر فيه معظم الناس في وسط البحيرة، على عكس الجزر الأصغر والأقل شهرة مثل بورانو ومورانو. والجهات المختصة في مدينة البندقية تسعى لتخفيف السائحين عن الأماكن الأكثر اكتظاظا وازدحاما.

منصة Fairbnb للحجز ودفع الرسوم في مدينة البندقية

في سعي البندقية تسعى لتخفيف السائحين عبر فرض الرسوم عليهم, تم إنشاء Fairbnb. وهي منصة مشابهة جدًا لـ Airbnb، باستثناء أنه يتعين على أصحاب العقارات المرور عبر مراحل مختلفة للتسجيل. ويتم إحضار خبراء محليين للتحقق مما إذا كان المجتمع في حاجة إلى عطلة جديدة ويتم منع المضيفين الذين لديهم عقارات متعددة في المنطقة من الانضمام.

بينما تقول المنصة إن المضيفين يكسبون والضيوف يدفعون نفس المبلغ، فإن الأخير يحق له اختيار المنظمة المحلية التي تذهب إليها 7.5٪ من دفعة الحجز الخاصة بهم. حتى الآن، يتوفر حوالي 2500 عقارًا للإقامة في Fairbnb، مع إنشاء أول عدد قليل منها مؤخرًا في المملكة المتحدة.

البندقية تسعى لتخفيف السائحين عبر هذه المنصة وضبط الارقام الواردة بها للاستعانة بها مستقبلا في رصد عملية تحسن الواقع السياحي في المدينة من عدمه.

هل البريطانيون ملزمون بدفع رسوم لدخول مدينة البندقية ؟

القرار لم يستثني أحد إلا من تم ذكرهم في الفقرات السابقة, ورغم أن السائحين البريطانيين يشكلون نسبة كبيرة من زوار المدينة الايطالية الشهيرة, إلا أن لا امتيازات خاصة لهم من حيث اسقاط الرسوم أو الاعفاء منها.

لن يشكل مبلغ الرسوم اشكالية تذكر بالنسبة للسائح البريطاني مهما مكث في المدينة ,بل يمكن القول أن رغم كل ما تقوم به مدينة البندقية لتخفيف عدد السائحين إلا أن فرض الرسوم لن تكون بعائق أمام السائح لأنها رسوم بسيطة للغاية. وبالتالي من الاجدر بهم أن يلجؤوا لوسائل أخرى تدر عليهم ربح وفير دون استهلاك للمدينة الجميلة وتشويه لصورتها الاثرية.

اليونيسكو تعلن البندقية مدينة مهددة بالانقراض

من الصعب تخيل انقراض مدينة في عام 2023, يمكن أن نتخيل ,كما ورد في قصص التاريخ , ان بعض العوامل المناخية من الحت والتعرية والتسونامي البحري والرمال المتحركة وغرق الجزر والزلازل والبراكين, عوامل تؤدي الى فناء المدن وانقراضها. لكن في الزمان الحالي ومنذ قرون طويلة لم نشهد زوال مدينة ,فكيف للبندقية أن تكون مهددة بالانقراض؟ بل كيف يكون هناك قائمة بمدن كاملة مهددة بالانقراض حول العالم؟

لنفهم القصة يجب أن نعرف أن منظمة اليونيسكو تقصد بمعنى الانقراض ,انقراض الهوية الخاصة بالمدينة والتي تميزها , فلو فرضنا أن مدينة شيدت بيوتها من الاحجار القديمة ,ومع الوقت تساقطت هذه البيوت وتم بناء بنايات حديثة عوضا عنها, فهنا فقدت المدينة هويتها وأصبحت أشبه بالمدن الحديثة ولم تعد تحمل أي طابع يميزها.

وهو ما يحدث حاليا في مدينة البندقية والتي تسعى بكل ما أمكن للحفاظ على هويتها التاريخية والمناخية والطبيعية من الاندثار بفعل تراكم السياحة المفرط عليها.