أخبار بريطانيا

إقالة وزيرة الداخلية البريطانية أمر ضروري قبل انتخابات 2024

سوناك يتخلص من سويلا برافرمان ويعيد ديفيد كاميرون للحكومة في محاولة انقاذ نفسه وحزب المحافظين

شهد اليوم 13/11/2023 حدث يعتبر استثنائي في المملكة المتحدة تمثل في إقالة وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان من منصبها من قبل رئيس الوزراء ريشي سوناك, والذي لم يكتفي بهذا الأمر بل أنه قام بتعديل وزاري محدود أحدث مفاجئة مدوية بعودة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون للحكومة بصفة وزير خارجية ,فما القصة !؟ وماذا يجري في بريطانيا؟


إقالة وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان

لم تمض اربع وعشرين ساعة على احداث الشغب أو العنف كما اطلقت عليها الصحافة البريطانية ,والتي اندلعت على خلفية المظاهرات المؤيدة لفلسطين والتي احتشد بها مئات الآلاف في شوارع لندن ,حتى سمعنا اليوم عن خبر إقالة وزيرة الداخلية البريطانية السيدة سويلا برافرمان من منصبها وتعيين السيد جيمس كليفرلي مكانها ,وهو كان يشغل بالأصل منصب وزير الخارجية.

المفاجأة في التعديل الوزاري الطارئ لم تقف عند هذا الحد, بل تجاوزته بمراحل عبر استدعاء قام به ريشي سوناك لأحد القادة البارزين والمحنكين في حزب المحافظين وهو رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون والذي تسلم حقيقة وزارة الخارجية عوضا عن السيد جيمس كليفرلي والذي بقي في الحكومة إنما خلفا للمقالة برافرمان في منصب وزير الداخلية.

وقد كان من المتوقع إقالة الوزيرة برافرمان في أروقة السياسة البريطانية نظرا لما حمله البعض إياها من تسبب في أعمال العنف في المظاهرات السلمية التي شهدتها لندن تضامنا مع فلسطين وما مثل دعوة لإيقاف الحرب ,وكانت برافرمان قد اطلقت تصريحات محرضة ضد هذه التظاهرات وعلى أثرها حدثت بعد المشاحنات والاشتباكات وأعمال العنف بين المتظاهرين وعناصر الشرطة.

أقرأ أكثر :

إقالة وزيرة الداخلية البريطانية
صدمت برافرمان الشعب البريطاني ,والحكومة التي هي جزء منها ,في خطاب أدلت به في زيارة الى واشنطن وقالت أن سياسة الدمج الاجتماعي في بريطانيا مع الاقليات أفقدت المملكة المتحدة تراثها الثقافي

برافرمان تدفع ثمن تصريحات وصفت بالعنصرية

لم يكن الغضب الرسمي والشعبي من تصريحات سويلا برافرمان هو السبب المباشر الوحيد الذي أدى الى إقالة وزيرة الداخلية البريطانية, بل أن ما جعل الأمر يتم بسرعة عقب أحداث الأمس في التظاهرات هي مواقف وتصريحات السيدة برافرمان التي اتصفت بالعنصرية والعدائية المبالغ فيها لحد درجة التطرف ضد الاقليات المقيمة في المملكة المتحدة, وضد كل اللاجئين والمهاجرين إليها.

ومن فترة وجيزة صدمت برافرمان الشعب البريطاني ,والحكومة التي هي جزء منها ,في خطاب أدلت به في زيارة الى واشنطن وقالت أن سياسة الدمج الاجتماعي في بريطانيا مع الاقليات أفقدت المملكة المتحدة تراثها الثقافي والذي بدأ يضمحل ويذوب في ثقافة الاقليات المقيمة في بريطانيا.

هذا التصريح الخطير الذي هوجم من قبل الجميع بما فيهم زملائها في حزب المحافظين ,والدعوة المبطنة لترحيل المهجرين وعدم قبول طلبات اللجوء ,وعدم دمج التراث البريطاني الثقافي والاجتماعي بتراث اي اقلية تتواجد على الاراضي البريطانية. كان لكل ذلك بالغ الأثر في تنامي الاصوات المطالبة بشيء واحد فقط هو إقالة وزيرة الداخلية البريطانية من منصبها قبل تفاقم الأمور الى حد أكبر من ذلك ينذر بحدوث مشاكل واضطرابات وفتن في البلاد.

واذا ما أضفنا لكل ما سبق ذكره, أن برافرمان كانت عرابة خطة تهجير اللاجئين والمهجرين الغير شرعيين الى دولة رواندا ,وصاحبة أفكار وضع المهجرين في قوارب ضخمة في البحر ,ومحاولاتها الحثيثة مع الجارة الاقليمية فرنسا لمنع انطلاق المهجرين من اراضيها, كل تلك العوامل كانت سببا في نقمة الأغلبية عليها وتحميلها وزر ما قد يحدث بناء على هذه الكراهية العنصرية ,ومطالبة رئيس الوزراء ريشي سوناك بفعل ما يجب فعله كمسؤول عن تصرفات برافرمان ألا وهو إقالة وزيرة الداخلية البريطانية و وضع حد لتجاوزاتها وكراهيتها للأقليات.

إقالة وزيرة الداخلية البريطانية
برافرمان كانت عرابة خطة تهجير اللاجئين والمهجرين الغير شرعيين الى دولة رواندا ,وصاحبة أفكار وضع المهجرين في قوارب ضخمة في البحر

هل إقالة وزيرة الداخلية البريطانية سيكون طوق النجاة لسوناك؟

مشاكل كثيرة يعيشها رئيس الوزراء ريشي سوناك وهو على أبواب الانتخابات العامة التي سيقودها بوصفه زعيم حزب المحافظين البريطاني أمام منافسه الشرس حزب العمال, هذا الحزب الذي استطاع ان يستعيد ثقة الشارع البريطاني به وسجل انتصارات متلاحقة على خصمه من المحافظين في عدة معارك انتخابية برلمانية فرعية. مع التأكيد عبر مراكز الدراسات تنامي شعبية كير ستارمر زعيم حزب العمال في مقابل ريشي سوناك زعيم المحافظين.

خطوة إقالة وزيرة الداخلية البريطانية قد تكون بمثابة طوق نجاة من عدة أطواق نجاة بحاجة إليها الآن السيد ريشي سوناك ليعيد البريق لحزبه أمام مناصريه أولا, وأمام عموم الشعب البريطاني والاقليات ثانيا. وإن كان السياسيين وأصحاب الاختصاص يرون أن الآوان قد فات سوناك لاحداث اي تغيير في الرأي العام البريطاني.

معارك سوناك الأخطر داخل حزب المحافظين

من الجلي والواضح في المشهد السياسي البريطاني انقسام حزب المحافظين منذ ايام رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون, والذي شهدت نهاية حقبته انقلاب حقيقي عليه جاء من قبل سوناك نفسه, رفقة العديد من زعماء الحزب البارزين كالسيدة ليز تروس, والتي تسلمت رئاسة وزراء بريطانيا وحزب المخافظين من بعد بوريس جونسون ولم تمكث في منصبها اكثر من 43 يوما قبل الاطاحة بها من سوناك نفسه واعتلاءه المنصب الفريد في الحزب والحكومة. وللمعلومة فقط فإن ليز تروس ايضا قامت بما قام به ريشي سوناك في أول ولايتها وذلك عبر إقالة وزيرة الداخلية البريطانية انذاك برافرمان من منصبها كوزيرة داخلية.

كل تلك التقلبات التي شهدتها السنوات الأخيرة في الحكومة البريطانية ,والتي لا تقل عنها ضراوة داخل أروقة حزب المحافظين, جعلت الحزب منقسم بين تيارين ,الأول منه معتدل ويمثله سوناك ,والثاني متعصب متطرف تقوده برافرمان نفسها أو انها تعد من أبرز قادته.

وهذا الانقسام إن لم يتم رأب الصدع فيه قبل بداية الانتخابات العامة في مواجهة حزب العمال فإن النتيجة ستكون محسومة للأخير ,وهذا ما يستشعره السيد سوناك , والذي يعلم تماما أن هناك الكثير من الوعود بدء من عهد جونسون وانتهاء بعهده لم يتم تنفيذها وخاصة في الملف الضريبي والمساعدات ,وكانت حجة الحزب الدائمة هي عجز الموازنة والحفاظ على الاقتصاد.

سوناك يبحث عن طوق نجاة في الانتخابات القادمة
يستشعر السيد سوناك خطر تنامي شعبية حزب العمال ويحاول عبر التعديل الوزاري اعادة ثقة الناخب البريطاني بحزب المحافظين

هل الاستنجاد بديفيد كاميرون سيحل الأزمة لدى حزب المحافظين؟

يرى البعض أن تنامي شعبية حزب العمال المنافس لحزب المحافظين بات بحاجة أعمال استثنائية يقوم بها ريشي سوناك لعودة الناخب البريطاني الى حزبه, الأعمال لن تقتصر فقط على إقالة وزيرة الداخلية البريطانية وتهدئة الشارع البريطاني فحسب بل لا بد من اللجوء للحرس القديم والرجال المحنكة بالقيادة لكسب ثقة البريطانيين مجددا, وفي هذا السياق لا أنسب من ديفيد كاميرون ,رئيس الوزراء السابق الذي يحظى بتجربة ناجحة امتدت لست سنوات في قيادة بريطانيا.

ديفيد كاميرون يعود للسياسة في حكومة سوناك
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق يحظى بتجربة ناجحة امتدت لست سنوات في قيادة بريطانيا.

تعيين كاميرون لم يكن يسيرا اذ تطلب اعادته للحياة السياسية اسباغ لقب نبيل عليه من قبل الملك, وهو ما سعى إليه سوناك ونجح به بعد أن انعم الملك تشارلز على كاميرون بوصف (بارون) الأمر الذي أصبح من المتاح معه الانضمام لمجلس اللوردات وبالتالي الاشتراك في الحكومة البريطانية.

ويسعى سوناك بهذا التغيير الوزاري و إقالة وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان, وانضمام ديفيد كاميرون تشكيل جناح قوي في حزب المحافظين للقيام بمهمتين ,الأولى التصدي للجناح المناهض له في الحزب بزعامة سويلا برافرمان وبالتالي توحيد الحزب تحت رايته, والثاني التصدي لمنافسه الخطير في الانتخابات السير كير ستارمر زعيم حزب العمال. فهل ينجح ريشي سوناك في مساعيه أم أنها خطوة الغريق الذي يحاول أن يتعلق بقشة !؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى